*بقلم البروفيسور ستيفن هيرتوغ، كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، وشادي ن. مجاعص، وسامي زكي، شريكان، وميتشا سليمان، مدير أول، في ستراتيجي آند الشرق الأوسط، وهي جزء من شبكة برايس ووترهاوس كوبرز

تدفع القيود المالية وضغوط الكثافة السكانية دول مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة صياغة نماذج الحماية الاجتماعية فيها التي أنشأت وعززت من ازدهار الطبقة المتوسطة على مدى نصف القرن الماضي، في وقتٍ تواجه فيه العقود الاجتماعية الراهنة تحديات متزايدة تتعلق بالاستدامة. فعلى سبيل المثال، يعمل أكثر من ثلثي المواطنين في الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة في القطاع الحكومي. وفي الوقت نفسه، يُشجع دعم الطاقة المحلية المقدّم للمواطنين على الإفراط في استهلاك الطاقة، ما يؤدي إلى الحد من حجم صادرات تلك الدول من النفط بأسعار السوق العالمية.

تحاول حكومات دول مجلس التعاون الخليجي الاستجابة لهذه القضايا، ولكن لا يُمكن إنكار صعوبة التحديات التي تكتنف مسار الإصلاح، فقد يؤدي تقليص عدد الوظائف في القطاع العام وتخفيض المساعدات الاجتماعية المقدمة للمواطنين دون تحليل دقيق واتخاذ خطوات مدروسة إلى تداعيات سلبية. فعلى سبيل المثال، تقاضى 1.3 مليون سعودي من أصل 2.3 مليون سعودي يعملون في القطاع الخاص في الربع الثالث من عام 2023 أقل من 5,000 ريال سعودي (ما يعادل 1,333 دولار أمريكي) شهرياً، في حين أن متوسط أجور المواطنين السعوديين في القطاع العام يتجاوز 13,000 ريال سعودي (ما يعادل 3,465 دولار أمريكي).

علاوة على ذلك، لا بد من إعادة النظر في نظم الحماية الاجتماعية المقدمة للمواطنين العاملين في القطاع الخاص. وذلك نظراً لما تشهده بعض دول مجلس التعاون الخليجي من تزايدٍ في الفجوة الاقتصادية بين المواطنين الأكبر سناً الذين يشغلون وظائف حكومية ذات أجور جيدة والمواطنين الأصغر سناً الذين يحصلون على دخلٍ أقل في القطاع الخاص، فضلاً عن دخولهم في منافسة مع العاملين الأجانب ذوي الأجور المنخفضة.

لذلك، هناك حاجة ماسة لتضافر الجهود من أجل تحقيق الإصلاح المالي وتحديث برامج الحماية الاجتماعية والتحول على نطاق واسع من التوظيف في القطاع العام إلى التوظيف في القطاع الخاص. ولتحقيق هذه الأهداف، يمكن لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي استخدام خمس أدوات متكاملة تنظم إعادة صياغة عقودها الاجتماعية، وهي: حوافز الدخل الدائمة وبرامج سوق العمل النشطة والدخل الأساسي الشامل والمنافع الاجتماعية المشروطة ووضع حد أدنى مقبول لأجور العاملين الأجانب.

من المهم إدراك أن تقديم حوافز الدخل الدائمة للعاملين ذوي الدخل المنخفض يجعل القطاع الخاص أكثر جاذبية للمواطنين، ويضمن ألا يؤدي الانتقال من القطاع العام إلى زيادة ظاهرة "العمالة الكادحة". وإذا كانت حوافز الدخل مرتبطة بعملية إصلاح في القطاع العام، مثل برنامج التقاعد الطوعي، فإن العبء المالي لأي حافز مهما كان سخياً سيكون بسيطاً مقارنةً بالنفقات الحالية الناتجة عن العمالة الزائدة في القطاع العام. كما يمكن تمويل برامج دعم الدخل من خلال مواصلة تخفيض دعم الطاقة أو إلغائه، أو فرض رسوم جديدة أو زيادة الرسوم الحالية على توظيف العاملين الأجانب.

وتعد برامج سوق العمل النشطة، التي تشمل برامج التعلم المستمر، وخدمات التوظيف، والتدريب، عوامل مكملة لعملية دعم الدخل. وهذه البرامج موجودة بالفعل في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من أن الاستثمار فيها كان محدوداً نسبياً وقد تختلف جودتها من دولة إلى أخرى. ويمكن لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي تعزيز هذه البرامج من خلال تخصيص مزيد من الاستثمار في أدوات المراقبة والتقييم المتعلقة بها.

فضلاً عن ذلك، يمكن لعمليات إصلاح التعليم على المستويين الابتدائي والثانوي أن تساهم في دمج المواطنين وزيادة إنتاجيتهم في سوق العمل الخاص. وبالأخص، يمكن وضع معايير توظيف أكثر انتقائية وتقديم حوافز أفضل للمعلمين، كما ينبغي أن تمتد ممارسات الموارد البشرية الحديثة والمكافآت المالية اللازمة في القطاع الحكومي لتشمل أيضاً نظام التعليم.

كما يمكن لبعض دول مجلس التعاون الخليجي اعتماد مبدأ الدخل الأساسي الشامل لتوفير دخل آمن ومستمر لجميع المواطنين، وتحفيزهم للعمل في القطاع الخاص، وتقديم مكافأة لهم مقابل تقليص وظائف القطاع العام وتخفيض دعم الطاقة. وعلى الرغم من أن الدخل الأساسي الشامل قد أثار جدلاً في الاقتصادات المتقدمة، فإنه لن يشكل تحدياً اقتصادياً بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، خاصة الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، التي تتبع حالياً نظام تقاسم الثروات. ففي الكويت، على سبيل المثال، سيؤدي تخفيض دعم الطاقة إلى توفير ما يكفي لدفع إعانة شهرية لكل مواطن بالغ يعمل خارج القطاع العام، تبلغ قيمتها حوالي 700 دولار أمريكي، مع دفع مبلغ إضافي لكل طفل يقدر بنحو 230 دولار أمريكي. ويمكن أن تكون قيمة هذه الإعانات أعلى بكثير إذا شاركت الحكومة في تمويلها من المدخرات الناتجة عن التقليص التدريجي للوظائف في القطاع العام، حيث سينتج عن تقليص رواتب القطاع العام بنسبة 10٪ زيادة قدرها حوالي 650 دولار أمريكي شهرياً في مدفوعات الدخل الأساسي الشامل للأفراد البالغين العاملين خارج القطاع الحكومي.

ومن خلال تطبيق المنافع الاجتماعية المشروطة والموحدة، يمكن للحكومات أيضاً ضمان أن تكون المنافع الاجتماعية أكثر إنصافاً واستدامة من الناحية المالية. وعند دمج هذه المزايا مع برامج تنشيط سوق العمل المنهجية، ستتمكن الحكومات من الحد من مخاطر الاعتماد على الحماية الاجتماعية وزيادة تشغيل المواطنين في القطاع الخاص.

وأخيراً، يمكن لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي دعم عملية إعادة صياغة العقود الاجتماعية من خلال وضع حد أدنى مقبول للأجور المنخفضة للعاملين الأجانب، ما يساعد على تعزيز معاملة المغتربين بعدل وإنصاف، إذ لم يكن لهذا الحد الأدنى للأجور، عند تطبيقه بالفعل، أي تأثير خطير على ربحية الشركات أو قدرتها التنافسية. كما ينبغي على حكومات دول مجلس التعاون الخليجي مواصلة تحديث ترتيبات الحماية الاجتماعية المحدودة للمغتربين، كما فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة. وينبغي أن تشمل هذه التغييرات توفير ترتيبات منظمة للمعاشات التقاعدية وإتاحة فرص أكبر للمغتربين لتغيير وظائفهم من خلال تخفيف القيود التي يفرضها نظام الكفالة.

كما يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي النهوض بعقد اجتماعي جديد يتسم بالجاذبية والشمولية والإنتاجية، نظراً لما تتمتع به من سمات فريدة، تتمثل في مواردها المالية الهائلة، وقدرتها على بناء خطط طويلة المدى، فضلاً عن مواطنيها الشباب الذين أصبحوا أكثر استعداداً ورغبةً في الانخراط في القطاع الخاص. ويتمثل التحدي الذي قد تواجهه هذه الدول عند إنشاء هذا العقد في كيفية استخدام هذه السمات بطريقة مستدامة مالياً، بحيث توفر الفرص لجميع المواطنين، وتضمن تلبية أساسيات الحماية الاجتماعية لجميع سكانها، وتقدم المزيد من الحوافز التي تشجع على العمل في القطاع الخاص، وتقلل من التحديات الاقتصادية.