أكد سيف عبدالله التركي -محامي ومستشار قانوني- لـ"الرياض" على أن الأصل في الأمور الإباحة وعدم التحريم من الناحية الشرعية، ولا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص من الناحية القانونية، مبيناً أنه إذا خلت من أي مدلول جنسي لا نستطيع أن نطلق عليها جريمة تحرش، حيث أن نظام التحرش ينص على كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي، ذاكراً أنه قد يطلب الحساب بغرض مشروع سواء لغرض التعاون في عمل، أو علم، أو تجارة، أو تطوع، أو خدمة تنفع المجتمع، أو أي عمل آخر يكون مشروع، وليس كل من يطلب وسيلة الاتصال أو التواصل يريد أن يقيم علاقة غير مشروعة.
"الرياض" التقت التركي، وفيما يلي نص الحوار:
إلاّ بنص
هل طلب أي وسيلة تواصل بين شخصين سواء رجل أو امرأة هل يعتبر تحرش أم لا؟
الأصل في الأمور الاباحة وعدم التحريم من الناحية الشرعية، ولا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص من الناحية القانونية، فكافة الأمور حلال شرعاً ومشروعة نظامية إلاّ بوجود نص يحرم ويجرم ويمنع السلوك.
إذا طلب رجل من فتاة، أو فتاة طلبت من رجل أي من وسيلة من وسائل الاتصال أو التواصل هل يعتبر درجة من درجات التحرش؟
قد يطلب الحساب بغرض مشروع سواء لغرض التعاون في عمل، أو علم، أو تجارة، أو تطوع، أو خدمة تنفع المجتمع، أو أي عمل آخر يكون مشروع، وليس كل من يطلب وسيلة الاتصال أو التواصل يريد أن يقيم علاقة غير مشروعة، وهذا أمر مشروع استناداً إلى قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"، ومن يشك بمثل هذه التصرفات بأن من يقوم بها يريد أن يحقق غرض غير مشروع فإن هذا مجرد ظن، وقد قال تعالى: "يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم"، وإذا حدث مثل هذا السلوك السيء فهذا يعتبر حالة شاذة واستثناء عن الأصل.
حيادية واستقلالية
في حال التنازع في الأمور الشرعية أو القانونية لمن يرد الأمر؟
نرده إلى لله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفي حال التنازع في شيء من الأمور القانونية نرده إلى النظام وأحكامه، والغاية منه التي وضعها ولي الأمر لتحقيق مصالح العباد عملاً، بقوله تعالى: "ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول"، كما أن التفسير والفتوى تكون من أهل الذكر في الأمور الشرعية وذوي التخصص والعلم في الأمور القانونية، وقد قال تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، وليس من الحكمة أن نطلق الأحكام والفتاوي الشرعية والقانونية بناءً على الأهواء والآراء الشخصية بدون مسوغ، وعلينا قبل إطلاق الأحكام أن يكون لدينا حيادية وتجرد واستقلالية من أي اعتبارات، ويجب علينا قبل إطلاق الأحكام والآراء القانونية والشرعية يكون لدينا تأصيل للأمور والرجوع للعلة والسبب والتكييف لهذا التصرف، والنص والمسوغ الذي يتم الاستناد عليه في طرح الجواب المناسب.
تكييف صحيح
النظام عرف جريمة التحرش، هل يحق لنا الاجتهاد فيه؟
لا، استناداً إلى قاعدة "لا مساغ للاجتهاد في مورد النص"، ونصت المادة الأولى من نظام مكافحة التحرش: "يقصد بجريمة التحرش كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي، تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر، تمس جسده أو عرضه، أو تخدش حياءه، بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة"، ولو تأملنا بهذا التعريف ولو طبقنا واقعة طلب أي وسيلة من وسائل التواصل أو الاتصال على هذا التعريف نجد أنها لا تنطبق عليه "المدلول الجنسي"، الذي اشترطه المنظم في التعريف لقيام جريمة التحرش، كما أنه حينما نقول أن مثل هذه الأفعال لا تعد تحرش نحن لا نجوّز أو نبيح أو نبرر سلوك خاطئ، بل نضع الأمور في نصابها الصحيح، ونضعها في تكييفها الصحيح حتى لا تترتب عليها نتائج وآثار سلبية بسبب هذا التكييف الخاطئ.
مُحرّم ومجرّم
في حال قصد طالب السناب أو أي وسيلة من التواصل أو الاتصال سواء كان رجل أو امرأة، وكان الغرض من الطلب غير مشروع، ماذا يترتب عليه وهل هذا أمر مباح؟
إذا كان الهدف أو الرغبة من ذلك إقامة علاقة غير مشروعة، فهذا فعل محرم شرعاً، ومجرم قانوناً، ويكيف الرغبة في إقامة علاقة محرمة أو غير مشروعة، وتكون العقوبة فيها تعزير مرسل -عقوبة غير مقدرة شرعاً ونظاماً- يقدرها القاضي ناظر القضية، ولكن يقع عبء الاثبات في هذه الدعوى على المجني عليه والمتضرر من هذا السلوك.
نتائج سلبية
هل طرح وتوضيح ذلك بين عامة الناس مناسب بنظركم من ناحية قانونية؟
قد يظن البعض أن هذا الأمر ليس له أهمية ليوضح للعامة، بل على العكس من ذلك حيث إن هناك أضراراً ونتائج سلبية وخطيرة في حال تم بناء قناعة خاطئة لدى الآخرين بأن طلب أي وسيلة من وسائل التواصل أو الاتصال من الطرف الآخر سواء رجل أو امرأة أمر مجرّم أو يكيّف أنه تحرش، وينتج عن هذا التصور الخاطئ أمور كثيرة أبرزها يصبح هناك تخوف من التعامل بين الآخرين، وتفتقد السكينة والثقة بين الآخرين، ويتجنب الناس التعاون المشروع بين بعضهم البعض حتى وإن كان بين رجل وامراة وهذا خلاف الأصل، وقد يؤثر على تحقيق الأهداف المنشودة المشروعة بين الآخرين بسبب عدم الاستفادة من التعاون المشروع.
دعوى كيدية
ما هي أبرز السلبيات من وجهة نظرك في حال فهم التكييف الخاطئ لجريمة التحرش؟
من يتعرض لمثل هذا السلوكيات ويقيم دعوى يطالب بمعاقبة الفاعل بجريمة التحرش قد لا تنطبق عليها الحالات التي أسلفنا ذكرها، ويصرف النظر عن الدعوى ويخلى سبيل المتهم لعدم ثبوت أركان جريمة التحرش، فيدخل للأسف المدعي في هذه الحالة بنفس التجريم، وبالعقوبة المنصوص عليها بنظام مكافحة التحرش نظراً لاعتبار الدعوى كيدية وفقاً للمادة السابعة الفقرة الثالثة من نظام مكافحة التحرش.