في عصر تتسارع فيه إيقاعات الحياة وتتبدل فيه الأولويات، تبقى القيم العائلية حجر الأساس في بناء الأجيال. ومن بين الأصوات التي تحمل هذا الإرث بحكمة وتجربة، التقيت بأم فواز، امرأة تجاوزت السبعين من عمرها، لكن حديثها يحمل عبق الماضي ومشاعر الأمومة الصادقة. في مجلسها البسيط، حيث تملأ رائحة القهوة العربية الأجواء، تحدثت أم فواز عن الفروقات بين تربية البنات في الماضي واليوم، مقدمة رؤية عميقة تمزج بين خبرة الحياة وحب الأمومة. عندما سألتها عن رأيها في تربية البنات اليوم، ابتسمت بحنين وقالت: « يا بنتي، زمان كنا نعيش حياة بسيطة، لكنها مليئة بالقيم. لم تكن لدينا التكنولوجيا ولا هذا الكم من الترفيه، لكننا كنا نعرف قيمة الأشياء. تعلمنا المسؤولية منذ صغرنا بمشاركة أمهاتنا في أعمال المنزل، وتعلمنا منهن الصبر والحرص. اليوم تغيرت الحياة وأصبحت أسرع، لكن أساس التربية يبقى ثابتاً: غرس القيم التي تجعل البنت قوية وقادرة على مواجهة الحياة.» ثم قدمت لي فنجان قهوة وأردفت بابتسامة: “دعيني أخبرك ببعض النصائح التي علمتنا إياها الحياة:” كوني قدوة صامتة فالبنت تتعلم من أفعال أمها أكثر من كلماتها. إذا أردت لابنتك أن تتحلى بالصدق والالتزام والمحبة، اجعلي هذه القيم جزءاً من يومياتك. أيضا احرصي على منحها جذوراً وأجنحة كأن تعلميها أن تفخر بهويتها وتراثها، لكن لا تقيّدي أحلامها. دعيها تحلم وتسعى، وكوني دائماً السند الذي تعتمد عليه. كما أن الحب أساس التربية فلا تنسي وسط مشاغل الحياة أن تمنحيها الحب والاحتواء. كلمة طيبة أو عناق حنون يمكن أن يُشعرها بأنها ليست وحدها. علّميها مهارات الحياة كأن تساعديها على أن تكون مستقلة، تعرف كيف تخطط لحياتها وتتخذ القرارات الصائبة. وأخيراً دعيها تكتشف ذاتها فلا تفرضي عليها صورة جاهزة، بل شجعيها على أن تجد طريقها بنفسها، لأن لكل فتاة مسارها الخاص.
اختتمت أم فواز حديثها بابتسامة دافئة وقالت « تربية البنات هي استثمارك لمستقبل أجمل. كل لحظة تعطينها في تعليمها ودعمها بتشوفين ثمارها يوم تصير بنتك امرأة قوية وملهمة.