تعايشاً مع اليوم العالمي للغة العربية الذي تحتفي به مختلف دول العالم والمصادف 18 ديسمبر من كل عام، فقد رسخت المملكة دورها الريادي التاريخي لخدمة اللغة العربية محلياً وإقليمياً وعالمياً؛ لبناء جسور التواصل بين الثقافات والشعوب، من خلال إسهاماتها المتعددة في المعرفة والعلوم، وتعزيز الهوية، والتنوّع الثقافي، والحوار والسلام العالمي، وتقيم المملكة في كل عام العديد من الفعاليات والأنشطة لغرس المبادئ والقيم العربية والإسلامية الأصيلة، والعناية بالتنشئة الاجتماعية واللغة العربية؛ انطلاقاً من افتخارها بإرثها الثقافي، والتاريخي السعودي، والعربي، والإسلامي، وإدراك أهمية المحافظة عليه لتعزيز الوحدة الوطنية وحضاراتها العريقة التي ربطت حضارات العالم بعضها ببعض، ما أكسبها تنوعًا وعمقًا ثقافيًا فريدًا؛ بما يتعايش مع رؤية المملكة 2030، وتم تأسيس مُجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 34 بتاريخ 13 / 1 / 1442هـ؛ للمساهمة في تعزيز دور اللغة العربية إقليميًا وعالميًا، وإبراز قيمتها المعبّرة عن العمق اللغوي للثقافة العربية والإسلامية، وليكون مرجعية علمية على المستوى الوطني فيما يتعلق باللغة العربية وعلومها، وليسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030.
جسر تفاهم
ويهدف اليوم العالمي للغة العزبية إلى تعزيز مكانة اللغة العربية وإبراز دورها كلغة عالمية لها تأثير ثقافي وحضاري، ويشمل الاحتفاء بإرثها الحضاري تسليط الضوء على مساهماتها في العلوم، والفنون، والأدب، وتشجيع استخدامها وتعلمها وتعزيز البرامج التعليمية التي تركز على اللغة العربية، وتعزيز الحوار بين الثقافات كونها جسراً للتفاهم بين الشعوب، وتُعد المملكة واحدة من أكثر الدول اهتماماً بالاحتفاء باللغة العربية ودعمها على المستويين المحلي والعالمي، حيث أنشأت العديد من المؤسسات اللغوية، كمجمّع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ومركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، وتسعى إلى تعزيز استخدام اللغة العربية في المحافل الدولية، وتشجع استخدامها كلغة رسمية في المؤتمرات والمحافل الدولية، وتسهم المملكة في دعم برامج الترجمة إلى اللغة العربية لتعزيز الفهم بين الثقافات، وتدعم اللغة العربية في التعليم، وإدراجها كمادة رئيسة في جميع مستويات التعليم، إلى جانب تعزيز المناهج الدراسية التي تسلط الضوء على أهمية اللغة العربية في فهم الدين الإسلامي والتراث الثقافي.
تطبيقات وبرامج
وتدعم المملكة تطوير تطبيقات وبرامج تقنية تعتمد على اللغة العربية، مثل معالجات النصوص وأدوات الترجمة الآلية، والمشاركة في مشاريع الذكاء الاصطناعي لدعم اللغة العربية، كذلك تعمل على نشر الثقافة العربية من خلال دعم الكتب والنصوص الأدبية العربية محلياً وعالمياً، والمشاركة في معارض الكتاب الدولية للترويج للغة العربية وآدابها، وعلى الرغم من الجهود المبذولة، تواجه اللغة العربية تحديات متعددة مثل تأثير اللغات الأجنبية على اللهجات المحلية، وتراجع استخدامها كلغة علمية وتقنية، وكذلك قلة الموارد المتاحة لدعم تعليمها لغير الناطقين بها، ولعل اليوم العالمي للغة العربية مناسبة للاعتزاز بها، والتأكيد على دورها المحوري في تعزيز الحوار الثقافي والحضاري، والمملكة من خلال مبادراتها ومؤسساتها، تقف في طليعة الدول التي تسعى للحفاظ على مكانة اللغة العربية وتعزيز دورها عالمياً، ما يعكس اهتمامها العميق بالإرث الثقافي والديني الذي تمثله هذه اللغة العريقة.
منبر ثابت
واحتفى مجمع الملك سلمان العالمي للُّغة العربيَّة -بالتعاون مع الوفد الدائم للمملكة العربيَّة السعوديَّة لدى الأمم المتحدة في نيويورك- باليوم العالمي للُّغة العربيَّة لهذا العام 2024م، الذي يأتي بعنوان: "اللُّغة العربيَّة والذكاء الاصطناعي؛ تعزيز الابتكار مع الحفاظ على التراث الثقافي"، في مقر منظمة الأمم المتحدة، برعاية صاحب السموّ الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة، رئيس مجلس أمناء مجمع الملك سلمان العالمي للُّغة العربيَّة؛ باعتبار اليوم العالمي للُّغة العربيَّة منبرًا ثابتًا يعزز إرثها الثقافي والتاريخي، ويأتي الاحتفال باليوم العالمي للُّغة العربيَّة للسنة الرابعة على التوالي ضمن جهود المجمع في دعم حضور اللُّغة العربيَّة في المنظمات الدَّولية، مدعَّمًا بحضور جمع غفير من الشخصيات الأمميَّة والدبلوماسيَّة رفيعة المستوى، ويندرج هذا الحدث ضمن سلسلة الأنشطة التي ينظمها المجمع؛ تأكيدًا لالتزام المملكة بدعم اللُّغة العربيَّة والتعريف بثرائها الثقافي والعلمي، وضمن برنامج الاحتفال عقد المجمع حلقةً نقاشيةً عنوانها "الترجمة العربيَّة في الأمم المتحدة"، شارك فيها نخبة من الخبراء والمتخصصين الدَّوليين، ونظّمت في الاحتفال دورة تدريبيَّة افتراضيَّة لمنتسبي المنظمة عنوانها: "مهارات الترجمة العربيَّة لأغراض دبلوماسيَّة"، تهدف إلى تعريف المنتسبين بأدبيات الترجمة وآلياتها لأغراض دبلوماسية، وتدريبهم على ممارستها، وإتقانها، ومعرفة مصطلحاتها، وصاحب الاحتفال تنظيم "معرض اللُّغة العربيَّة"، الذي ضم أعمالًا فنيَّةً ومعروضات رقميَّةً تبرز جماليات اللُّغة العربيَّة، وتاريخها، وتأثيرها الممتدّ في الحضارات الأخرى، ورحلتها التي تعكس أصالة الثقافة السعودية وفنونها، ويعرّف الزوار بالمجمع وأنشطته وإصداراته.
استخدام وإتقان
وتتمثل رؤية مُجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية في الريادة والمرجعية العالمية في خدمة اللغة العربية؛ لتحقيق رسالته في خدمة اللغة العربية عالميًا، وتعزيز إسهامها الحضاري والعلمي والثقافي، وإمكاناتها بالوسائل المختلفة؛ مسنداً على ركائزه الإستراتيجية المتمثلة في تعزيز الهوية الوطنية بزيادة مستوى الاستخدام والإتقان والمحتوى الأصلي باللغة العربية لتعزيز الشعور بالانتماء والهوية الوطنية، والتبادل الثقافي من خلال زيادة انتشار المحتوى العربي والفنون والإعلام والتبادل الثقافي في العالم لتضمين موقع المملكة والثقافة العربية في العالم، وللمملكة جهودًا مميزةً ورائدةَ الأثر في اعتماد إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي قرار الاحتفال باللُّغة العربيَّة في 18 ديسمبر؛ لكونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة بتاريخ 18 ديسمبر 1973م، بإدخال اللُّغة العربيَّة ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة؛ لنشر الوعي بتاريخها وثقافتها وتطورها؛ من خلال إعداد برنامج يضم أنشطةً وفعاليات نوعيّة.
نطقاً وكتابة
ويستهدف المجمّع المحافظة على سلامة اللغة العربية، ودعمها نطقًا وكتابة، والنظر في فصاحتها وأصولها وأساليبها ومفرداتها، وضوابطها وقواعدها، وتيسير تعلمها وتعليمها داخل المملكة وخارجها؛ لتواكب المتغيرات في جميع مجالات اللغة العربية، وتوحيد المرجعية العلمية داخليًا فيما يتعلق باللغة العربية وعلومها، والعمل على تحقيق ذلك خارجيًا، وإيجاد البيئة الملائمة لتطوير اللغة العربية وترسيخها، والعمل على نشر استخدام اللغة العربية، ومتابعة سلامة استعمالاتها في المجالات المختلفة، وإحياء تراث اللغة العربية دراسةً وتحقيقًا ونشرًا، والعناية بتحقيق الدراسات، والأبحاث، والمراجع اللغوية ونشرها، وتشجيع العلماء والباحثين والمختصين في اللغة العربية.
حوار وسلام
وحققت المملكة مكانة ريادية في تعزيز مكانة اللغة العربية محلياً وإقليمياً وعالمياً، والنهوض بخدمة لغة القرآن، وامتلاكها تجارب ثرية في مجال تعليمها للناطقين بغيرها، وذلك تعايشاً مع اليوم العالمي للغة العربية، الذي تحتفي به مختلف دول العالم وتبذل وزارة التعليم بالمملكة جهودها، لتأكيد دورها التاريخي في بناء جسور التواصل بين الثقافات والشعوب، وإسهاماتها المتعددة في المعرفة والعلوم، وتعزيز الهوية، والتنوّع الثقافي، والحوار والسلام العالمين، وتركز الوزارة على ما تبذله القيادة الرشيدة في خدمة اللغة العربية، وإسهاماتها في نشر علومها وثقافتها، وتوفير المنح الدراسية للمستفيدين من جميع أنحاء العالم، وتعمل الوزارة على تفعيل المشاركة في اليوم العالمي للغة العربية في إدارات التعليم، والمدارس، والجامعات، والملحقيات الثقافية، والمدارس السعودية في الخارج، وإقامة المناشط، والفعاليات التي تعزز من الاهتمام باللغة العربية، سواءً حضورياً أو عن بُعد من خلال منصتي "مدرستي" و"روضتي"، إلى جانب قنوات عين التعليمية.
تطوير مناهج
وتواصل وزارة التعليم جهودها لخدمة اللغة العربية وإبراز مكانتها، بالعمل على تطوير مناهج اللغة العربية، وزيادة الإثراءات والتطبيقات اللغوية في المناهج الدراسية، وتعزيز مهارات الفهم القرائي للطلبة، من خلال تخصيص خمس إلى عشر دقائق للقراءة والكتابة مع بداية الحصة الدراسية، إلى جانب التنظيم والمشاركة في المسابقات والفعاليات الخاصة بالخط العربي واللغة العربية، وترسيخ استخدامها في المنشآت التعليمية كلغة تواصل، وتشجيع الترجمة العلمية من اللغات الأجنبية إلى العربية، إضافة إلى إنشاء كليات وأقسام خاصة بها في الجامعات الحكومية والأهلية، كما تقدم وزارة التعليم مبادرات وبرامج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في المدارس السعودية بالخارج، وبعثات التعليم في الدول المضيفة، إضافةً إلى افتتاح المعاهد خارجياً، وخدمة المبتعثين وأبنائهم والجاليات العربية والإسلامية، والتعريف بالثقافة العربية على نطاق واسع.