تُعد الترجمة واحدةً من أهم الوسائل التي اتبعتها الأمم لتبادل المعارف والثقافات، وقد عرف العرب الترجمة منذ أقدم عصورهم، وحرصت الأمة العربية منذ أن قامت دولتها على نقل علوم من جاورها أو خالطها من الأمم وآدابهم، وقامت بصلات أدبية واقتصادية بينها وبينهم، ولم تكن للكثير من الألفاظ والمصطلحات الأعجمية معانٍ لولا الترجمة والتعريب، مما جعلها -بلا أدنى شك- من أغنى لغات العالم بالألفاظ والمعاني، ومرت الترجمة بمراحل ازدهار وتطور وفترات كساد وركود مُذ بدأت بوادرها وحتى اليوم، فمن بين الفروق الجليّة بين الترجمة قديمًا وحديثًا، أن الترجمة في الماضي كانت تراجع أمهات الكتب في كلتا اللغتين، أي كان علم الترجمة في الماضي نقليًّا، ثم تطور بعد ذلك وأصبح هناك الكثير من القواميس والمعاجم، وهو ما أتاح للمترجم الرجوع إليها أنّى واجهته معانٍ صعبة.
وأولت بلادنا الترجمة اهتماماً كبيراً وشجعت عليه حيث انطلقت مع البداية الرسمية لنشأة مجلس الشورى في المملكة في 21 صفر 1345هـ بهدف معرفة وفهم سياسات وقوانين وثقافات وحضارات الدول الأخرى، وصياغة العلاقات السياسية والدبلوماسية معها من خلال الترجمة، ومن ثم بدأ تدريس الترجمة حيث تضم الجامعات السعودية العديد من كليات اللغات والترجمة، منها كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود، بأقسامها الخمسة: اللغة الإنجليزية والترجمة، واللسانيات، واللغة الفرنسية والترجمة، واللغات الحديثة والترجمة، والإعداد اللغوي للناطقين بغير العربية، وكذلك كلية اللغات في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، ببرامجها المتضمنة اللغات الإنجليزية والفرنسية والصينية واللغويات التطبيقية والأدب الإنجليزي والدراسات الثقافية، وشهادات الماجستير في الترجمة التخصصية للغتين الإنجليزية والفرنسية، إضافةً إلى كليات اللغات والترجمة بجامعة جدة، وكليات اللغات والترجمة في جامعة نجران، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الملك عبدالعزيز ممثلة في قسم اللغات الحديثة وآدابها، وأضافت الكلية دراسات اللغة الصينية إلى الإنجليزية والفرنسية، وتمنح درجة البكالوريوس والماجستير والدبلوم في اللغات الثلاث.
صورة معرفية
وساهمت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض بترجمة الكتب المهمة في مختلف المجالات العلمية والأدبية والتاريخية والثقافية وكتب الأطفال وغيرها من الكتب، وذلك حرصًا منها على أن تنقل للقارئ السعودي والعربي صورة معرفية شاملة عما تقدمه الثقافة العالمية من مؤلفات وموضوعات تراثية أو معاصرة، فضلًا عن ترجمتها مجموعة من الكتب الصادرة بالعربية إلى عدد من اللغات العالمية، وحققت جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز –رحمه الله- العامة للترجمة حضورًا عالميًا نوعيًا، حيث أُقِرت الجائزة في شهر أكتوبر عام 2006م، بمقر مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض، وتمنح الجائزة سنويًا للأعمال المترجمة من اللغة العربية وإليها، لتعزيز التواصل بين الثقافة العربية والإسلامية والثقافات الأخرى، وإثراء المكتبة العربية باحتياجاتها من مصادر المعرفة التي تدعم خطط وبرامج التنمية والتعريف بالنتاج الثقافي والإبداعي والعلمي العربي على المستوى العالمي.
مواقع انترنت
وفي عالم اليوم ومع انتشار التقنية الحديثة بات من السهل على كل من أراد ترجمة أي نص من اللغة الإنجليزية أو أي لغة الدخول على أحد مواقع الإنترنت التي تتيح الترجمة مجاناً، كما أن المسافرين إلى دول لا تتحدث اللغة العربية كانوا يستعينون بمترجم يلازمهم طوال الرحلة من أجل ترجمة ما يريدون قوله ليحصلوا على الخدمات، كما كان البعض منهم يستخدم كتاب القاموس الذي يترجم اللغات إلى اللغة العربية ويستعين به في الترجمة، ثم بات القاموس جهازاً صغيراً شبيهاً بالآلة الحاسبة، ومع انتشار مواقع الترجمة الفورية عن طريق التحدث في الموقع الذي يتيح هذه الخدمة صار التواصل مع جميع اللغات وأهلها سهلاً وميسراً، إذ ما على السائح إلاّ أن يفتح التطبيق من هاتفه النقال، ثم الحديث بما يريد لتأتي الترجمة فورية وبالصوت فيفهما صاحب اللغة، وبذلك استغنى السياح عن المترجم الى الأبد.
ملتقى الترجمة
وأُسست هيئة الأدب والنشر والترجمة التابعة لوزارة الثقافة في 10 جمادى الآخرة 1441هـ لإدارة قطاعات الأدب والنشر والترجمة وتنظيمها بوصفها المرجع الرسمي لها في المملكة، وللإسهام في تحقيق تطلعات رؤية 2030، واعتماد الاستراتيجية الوطنية للثقافة الهادفة لجعل الثقافة نمطًا لحياة الفرد، وتمكين دورها في النمو الاقتصادي، وتعزيز مكانة السعودية الدولية، وأقامت الهيئة فعاليات ملتقى الترجمة الدولي لمناقشة شؤون الترجمة، وعرضت في دورته الثانية في ربيع الآخر 1444هـ التقنيات والتوجهات الحديثة في صناعة الترجمة، والفرص الجديدة التي أتاحها التطور التقني لتطوير الترجمة، كما أنشأت الهيئة مبادرة «المرصد العربي للترجمة» في 1444هـ لتنسيق الجهود العربية في الترجمة ودعم مسيرتها، من خلال تأسيس مرصد يوثق حركة الترجمة في العالم العربي، ويشكل مرجعًا وبوابة للتبادل المعرفي والثقافي، ويضم المرصد العربي للترجمة أربع لجان هي اللجنة العلمية العليا، ولجنة الدراسات والأبحاث، ولجنة الرصد والتوثيق، ولجنة تطوير الأعمال، كما أطلقت الهيئة مبادرة «ترجم» ضمن جهودها لدعم حراك الترجمة في المملكة، وإثراء المحتوى العربي بالمواد المترجمة ذات المحتوى القيم من اللغات المتنوعة، عبر مساري مِنح الترجمة، والدوريات الأكاديمية.
إبداع وحس
والتَّرْجَمَة أو النَّقْل هي عملية تحويل نص أصلي مكتوب -ويسمى النص المصدر- من اللغة المصدر إلى نص مكتوب -النص الهدف- في اللغة الأخرى، فتعد الترجمة نقلاً للحضارة والثقافة والفكر، وتنقسم إلى ترجمة كتابية وتحريرية ونصية وترجمة فورية وشفوية وسماعية، ولا تكون الترجمة في الأساس مجرد نقل كل كلمة بما يقابلها في اللغة الهدف، لكن نقلاً لقواعد اللغة التي توصل المعلومة، ونقلاً للمعلومة ذاتها، ونقلاً لفكر الكاتب وثقافته وأسلوبه أيضاً، لكن اختلفت النظريات في الترجمة على كيف تنقل هذه المعلومات من المصدر إلى الهدف، فوصف جورج ستاينر نظرية ثالوث الترجمة الحرفية -أو الكلمة بالكلمة- والحرة -الدلالة بالدلالة- والترجمة الأمينة، وتعتبر الترجمة فناً مستقلاً بذاته، حيث إنه يعتمد على الإبداع والحس اللغوي والقدرة على تقريب الثقافات، وهو يمكن جميع البشرية من التواصل والاستفادة من خبرات بعضهم البعض، فهي فن قديم قدم الأدب المكتوب، فقد تُرجمت أجزاء من ملحمة جلجامش السومرية، من بين أقدم الأعمال الأدبية المعروفة، إلى عدة لغات آسيوية منذ الألفية الثانية قبل الميلاد.
حضارة وثقافة
وتُعد الترجمة علم وفن، إذ يجب تعلم معاني الكلمات والمصطلحات والعبارات، كما يجب تعلم قواعد كلتا اللغتين النحوية والاستفادة من مميزات كل لغة لتظهر ترجمة جيدة لا يستطيع أحد تمييز إن كانت الأصل أو الترجمة، وتعلم الصور والتشبيهات البلاغية ومعرفة مقابلها في اللغة الهدف، إضافةً إلى تعلم أو معرفة حضارة وثقافة كلتا اللغتين؛ لأن هذا يعتبر النكهة التي تجعل للكلمات مذاقاً أصيلاً، فالتفنن في النقل وإظهار مواطن الجمال في كلتا اللغتين، والإبداع في إيجاد الكلمات الملائمة والتي تعبّر عن قصد الكاتب أو المتحدث الحقيقي، وبهذا تكون الترجمة علماً، ومع الخبرة والممارسة تصبح فناً وإبداعاً وعملاً يجعل القائم عليه يستمتع به، ومع ظهور الحواسب جرت محاولات لاستخدام الحاسوب أو ترجمة النصوص من اللغة الطبيعية بالترجمة الآلية، أو لاستخدام الحاسوب كوسيلة مساعدة للترجمة.
حراك متميز
وشهد حركة الترجمة في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة حراكًا متميّزًا، حيث قامت المكتبة بترجمة العديد من الكتب التاريخية والأدبية والعلمية والثقافية إلى اللغة العربية من 12 لغة عالمية، فيما نقلت إلى عدد كبير من اللغات العالمية مجموعات كبيرة من الكتب التي تعنى بالثقافة والتاريخ السعودي والعربي والإسلامي، وتسلط المكتبة بمناسبة اليوم العالمي للترجمة الذي يصادف 30 سبتمبر من كل عام، إذ إن الاتحاد الدولي للمترجمين -تأسس 1953م-، أطلق فكرة الاحتفاء باليوم العالمي للترجمة منذ العام 1991م، كمناسبة لإظهار التعاون بين المترجمين في أنحاء العالم، ولتعزيز أهمية الترجمة وأعمال المترجمين، وتجاوبت الجمعية العامة للأمم المتحدة مع هذا الطرح، واعترفت بهذا اليوم واحتفت به للمرة الأولى في 30 سبتمبر من العام 2017م، وحرصت المكتبة على تفعيل هذا النشاط الكبير، ونقل المعارف الإنسانية بمختلف توجهاتها العلمية إلى الحياة الثقافية العربية، والعمل على فتح نوافذ عالمية تقدم كل جديد إلى القراء والباحثين والدارسين، حيث تضطلع المكتبة بدور مهم يرسخ لحضور البعد الوطني في معايشة الثقافة العالمية، ويشير إلى ما تنهض به المملكة للتعايش مع العصر.
عدد من الكتب
وفي ظل تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، قامت مكتبة الملك عبدالعزيز بترجمة أنواع عدة من الكتب من مختلف اللغات العالمية الرئيسة من الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والهندية والإسبانية واليابانية والصينية وغيرها من اللغات، وقد قامت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بترجمة أكثر من 100 كتاب من مختلف اللغات العالمية، تدور حول ثلاثة مجالات، الأول: ترجمة الكتب الخاصة بتاريخ المملكة وسيرة الملك عبدالعزيز آل سعود –رحمه الله-، والثاني: ترجمة الكتب التي تعنى بالثقافة العربية والإسلامية، والثالث: ترجمة الكتب الأدبية والعلمية والفنية، ومن أبرز الكتب التي ترجمتها المكتبة؛ الجزيرة العربية حديقة الرسامين لتييري موجيه، الرياض المدينة القديمة من تأليف وليم فيسي، الطائف التطور والبنية والمعمار في مدينة عربية ناهضة لهاينز غاوبة، ابن سعود ملك الصحراء من تأليف Yves Besson، وكتاب في شبه الجزيرة العربية المجهولة لـ R.E. Cheesman وياباني في مكة من تأليف تاكيشي سوزوكي، والطريق إلى مكة لمحمد أسد، وكتاب في شبه الجزيرة العربية المجهولة من تأليف آر إي تشيزمان، وفيلبي الجزيرة العربية لإليزابيث مونر، وكتاب شبه الجزيرة العربية في كتابات الرحالة الغربيين في مائة عام لألبرخت زيمة، وكتاب الحج إلى مكة للمؤلفة الليدي إيفيلين كوبولد، وكتاب شهور في ديار العرب من تأليف العلامة مسعود عالم، كما ترجمت كتاب مشاهدة الحرمين الشريفين ومظاهر الحج من خلال عدسة الحاج أحمد مرزا من تأليف الدكتور صاحب عالم الأعظمي الندوي، وغيرها.
معاني القرآن
وتوّجت جهود الترجمة في بلادنا الغالية إلى ترجمة معاني كلمات القرآن الكريم، حيث تولى تلك المهمة مجمع الملك فهد لطباعة الصحف الشريف، الذي يعد مفخرة تضاف إلى مفاخر بلادنا في خدمة الإسلام والمسلمين ويبرز الجهود التي تبذلها بلادنا -ولا تزال تبذل- في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم إلى مختلف لغات العالم من خلال إصدارات ترجمات معاني القرآن الكريم التي يبلغ عددها 77 لغة، ويقوم المجمع بهذه المهمة الجليلة والرائدة، وهي ترجمة معاني القرآن الكريم إلى مختلف اللغات، من أجل تقديم ترجمات صحيحة لمعاني القرآن الكريم، وحماية المسلمين من أخطار الترجمات المحرفة التي تقوم بإعدادها وطبعها ونشرها بعض الفئات الضالة، أو مراكز الاستشراق والتنصير المنتشرة في كثير من أقطار العالم، وذلك لزعزعة العقيدة الصحيحة في نفوس المسلمين.