باتت كسوة الكعبة المشرفة من أروع وأقدس التقاليد الإسلامية التي تجمع بين الفن الإسلامي الرفيع والعناية الفائقة بالحرمين الشريفين، وكسوة الكعبة هي عباءة تغطى بها الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، وتعتبر رمزاً دينياً وتاريخياً عريقاً عميق الأثر في نفوس المسلمين في شتى أنحاء العالم، ومنذ العصور الإسلامية المبكرة والكسوة ترسل من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، بدءًا من مصر ثم تركيا، وتُصنع من أفضل وأروع أنواع الأقمشة، وتزينها خيوط الذهب والفضة، بالإضافة إلى الآيات القرآنية والزخارف الإسلامية المميزة، كما أن عملية تصنيع الكسوة ورسمها وتصميمها تتم بعناية ودقة عالية، كما ويُشرف على صنعها مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة في مكة ويشارك فيها مئات الحرفيين الماهرين، كما أن هذه الكسوة لا تقتصر على كونها مجرد قطعة قماش فحسب، بل هي تجسيد لرمزية عظيمة تمثل الإيمان والتفاني في خدمة أطهر بقعة على وجه الأرض، إلى جانب تجسيدها للتراث الإسلامي العريق.
ولقد بقيت كسوة الكعبة مستمرة منذ الجاهلية، فقد كسا الخلفاء الأولون الكعبة بأقمشة مصرية فاخرة بدلا من الأقمشة اليمانية، كما كسيت الكعبة بأقمشة حريرية حمراء وصفراء وخضراء أو بيضاء طوال العهود الإسلامية المختلفة. وكان الأمراء آنذاك حكام العالم الإسلامي يتنافسون على هذا الشرف الكبير، وفي بداية القرن التاسع الميلادي الثالث الهجري كان الخليفة يرسل ثلاث كسوات في كل عام، غير أنه في عصر ضعف الخلافة العباسية، لم تكن الكسوة تصل بانتظام، وفي عهد سلاطين المماليك الشراكسة الذين حكموا مصر حتى عام 1516م (922هـ) كانت ترسل كسوة جديدة حينما يتسلم أحد السلاطين مقاليد السلطة في البلاد، ومنذ أن حل العثمانيون في مكان السلطة أصبحت الكسوة تأتي سنوياً من مصر بانتظام، وهي عبارة عن ثوب من القماش الأسود المقصب مع حزام منسوج من خيوط الذهب على ارتفاع ثلثي الارتفاع الكلي. كما كانت التكاليف تسدد من ربع أراض موقوفة في وادي النيل لهذا الغرض.
المصدر: صفحات
من تاريخ مكة المكرمة
للمؤلف سنوك
هور خرونيه