تُعد الآثار جزءًا أساسيًا من التراث والتاريخ الوطني، إذ يعكس بدايات الحضارات الإنسانية ويفتح أبواب لاستكشاف الحقب التاريخية والحضارات السابقة التي عمرت وسكنت الأرض، ومن هذا المنطلق أولت المملكة اهتمامًا بالغًا بهذا المجال، من خلال إنشاء هيئة التراث المعنية بعمليات المسح والتنقيب داخل المناطق.
وأوضحت لـ»الرياض» شموع المبيريك -متخصصة في الآثار والتنقيب- أن المملكة تعتمد على تقنيات متطورة في عمليات الاستكشاف، مثل المسح الجيوفيزيائي، ودراسة تاريخ وجغرافية المواقع المستهدفة، مضيفةً أن عمليات التنقيب تبدأ بتحديد الإحداثيات وتقسيم الموقع إلى مربعات دقيقة، ثم الحفر باستخدام أدوات يدوية مثل المسطرة والفرش الصغيرة لضمان الحفاظ على القطع الأثرية المكتشفة، ذاكرةً أن القطع المكتشفة تُحلل داخل المختبرات باستخدام تقنيات متقدمة، مثل التاريخ بالكربون المشع لتحديد عمرها الزمني، كما تخضع بعض القطع لعمليات ترميم دقيقة باستخدام تقنيات علمية متخصصة للحفاظ على تلك القطعة.
وتحدثت شموع المبيريك عن بعض تجاربها في التنقيب قائلةً: إنها عثرت على قطع أثرية تعود لعصور إسلامية قديمة، مثل الفخار وأدوات الحياة اليومية، إضافةً إلى نقوش تحمل دلالات تاريخية، واصفةً هذه الاكتشافات أنها نافذة لفهم الحياة في العصور الماضية، حيث تسلط الضوء على أنماط المعيشة والثقافة السائدة في ذلك الوقت.
وأضافت أن بعض الاكتشافات الأثرية لا تأتي فقط من عمليات التنقيب المخطط لها، بل تحدث بالصدفة أثناء عمليات الحفر والبناء، إذ يعثر العاملون في المشاريع الإنشائية على قطع أثرية تكشف عن ثراء المملكة بالآثار الثمينة.
وفي الحديث عن أبرز الحضارات السابقة التي استوطنت المملكة ذكرت شموع المبيريك أن هناك أكثر من حضارة أُكتشف تاريخها داخل المملكة، حيث تعد مهدًا للعديد من الحضارات القديمة التي أسهمت في تشكيل التاريخ البشري، مضيفةً أن من أبرز تلك الحضارات حضارة دلمون التي نشأت في المنطقة الشرقية والتي تشمل البحرين والساحل الشرقي، وكانت تعتبر نقطة وصل تجارية حيوية، وازدهرت في الفترة بين 3000 و1500 قبل الميلاد، كما أنها ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالحضارة السومرية، وقد اكتشفت مدافن من حضارة دلمون أثناء أعمال مشروع جسر الملك فهد الذي يربط البحرين بالمملكة حالياً، واكتشف الأخصائيون بتلك المنطقة مدافن تعود للألف الثالث قبل الميلاد وتمت مشاركة العديد من الفرق الدولية لإنقاذ ما تبقى من تلك الآثار التي تشمل الأدوات الحجرية والفخار، وقد تم الحفاظ على بعض هذه الآثار في متحف البحرين الوطني.
وأشارت إلى أن حضارة دادان نشأت في شمال غرب المملكة في منطقة العلا، وكانت تتمتع باستقلال حضاري خاص، لكن تأثرت بعلاقاتها التجارية مع ممالك مثل الآشوريين، كما ازدهرت هذه الحضارة بين القرنين السادس والخامس قبل الميلاد وتركت إرثًا ثقافيًا غنيًا يتمثل في النقوش الصخرية والمقابر الملكية التي تزين مدائن صالح، والتي تُعد واحدة من أبرز المواقع الأثرية في المملكة وأحد أروع الشواهد على العمارة القديمة، موضحةً أن المملكة مستمرة في الحفاظ على مكانتها البارزة حيث تجمع بين الاصالة والحداثة.
وأكدت المبيريك أن العمل في التنقيب عن الآثار ليس سهلًا، خاصةً بالنسبة للمرأة، مبينةً أن التنقيب في هذا المجال يعد تحديًا كبيرًا، خصوصًا في كونها امرأة، حيث أن العمل يتطلب قوة بدنية في بعض الأحيان، بالإضافة إلى الظروف المناخية الصعبة، مثل الحرارة الشديدة والرطوبة، مما يزيد من صعوبة العمل الميداني.
وقالت: من التحديات الأخرى التي واجهتها هي المسافات البعيدة للمواقع، حيث نضطر أحيانًا للسفر لمدة ساعتين ذهابًا وإيابًا كل يوم للوصول إلى المكان المحدد ورغم ذلك تعلمت أهمية الصبر والمرونة في مثل هذه الظروف».
ورأت المبيريك أن التركيز على الهدف والرغبة في اكتشاف التاريخ هما الدافع الأساسي للاستمرار في هذا المجال، وأشارت إلى أن علم الآثار لا يزال في بداياته بالنسبة للمرأة المملكة، لكن بإصرارها وشغفها تمكنت من تجاوز العقبات والمساهمة في توثيق تاريخ المملكة وحضاراتها.