شهدت مكة في عهد عبدالله بن الزبير -رضي الله عنه- مرحلة سياسية مفصلية، إذ أصبحت مركزًا لحكمه بعد أن أعلن خلافته عقب استشهاد الحسين بن علي -رضي الله عنه- في كربلاء سنة 61 هـ. مع ضعف السلطة الأموية إثر وفاة يزيد بن معاوية سنة 64 هـ، وجد ابن الزبير الفرصة سانحة لتثبيت نفوذه، فبسط سيطرته على مكة والمدينة، وامتدت دولته إلى الحجاز واليمن والعراق وخراسان، مما جعله المنافس الأبرز للأمويين الذين احتفظوا بسيطرتهم على الشام.

إدارة مكة في عهد ابن الزبير

بعد أن استقر حكمه، اهتم عبدالله بن الزبير بتنظيم شؤون مكة، وأولى اهتمامًا خاصًا بالحرم المكي، حيث قام بتوسعة الكعبة المشرفة، وهي أحد أبرز إنجازاته العمرانية، إذ أعاد بناء الكعبة وفق ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها كانت عليه في عهد إبراهيم عليه السلام، وأضاف إليها الحجر الأسود كاملاً، ووسع مساحتها. كانت هذه الخطوة من أبرز الإصلاحات التي شهدتها مكة خلال حكمه.

كما عمل على تعيين ولاة أكفاء لإدارة شؤون مكة، حيث كان يحرص على الاستقرار داخل المدينة، رغم الصراعات الخارجية التي واجهها. وقد تميز حكمه بالحزم والعدل، إذ حرص على تطبيق الشريعة، وتعامل مع الحجاج والوافدين إلى مكة بحكمة لضمان أداء المناسك بسلام.

الصراعات السياسية وحصار مكة

رغم نجاحه في إدارة مكة، لم يكن حكم عبدالله بن الزبير مستقرًا تمامًا، إذ واجه مقاومة شرسة من الأمويين، الذين سعوا لاستعادة سيطرتهم على الحجاز. ومع صعود عبد الملك بن مروان إلى سدة الحكم في الدولة الأموية، قرر القضاء على نفوذ ابن الزبير، وأرسل الحجاج بن يوسف الثقفي على رأس جيش ضخم لمحاصرة مكة سنة 72 هـ.

استمر الحصار لعدة شهور، حيث استخدم الحجاج المنجنيق لضرب مكة، مما ألحق أضرارًا بالمسجد الحرام والكعبة المشرفة. أظهر ابن الزبير مقاومة بطولية، لكنه لم يتلق الدعم الكافي من أنصاره، فتراجعت قوته تدريجيًا. وفي النهاية، تمكن جيش الحجاج من دخول مكة وقتل عبدالله بن الزبير سنة 73 هـ، ليعود الحكم إلى الدولة الأموية مجددًا، وينتهي بذلك أحد أبرز الفصول في تاريخ مكة السياسي.

أثر حكم عبدالله بن الزبير على مكة

رغم النهاية الدامية لحكمه، إلا أن فترة حكم عبدالله بن الزبير لمكة تركت إرثًا سياسيًا وإداريًا مهمًا، حيث كانت مكة لأول مرة مركزًا لحكم مستقل عن الدولة الأموية، وشهدت إصلاحات إدارية وعمرانية بارزة. كما أن صموده في وجه الدولة الأموية يعكس قوة شخصيته ورغبته في تحقيق العدالة وفق مبادئ الإسلام.

يظل حكم عبدالله بن الزبير لمكة من أبرز المراحل التي مرت بها المدينة في العصر الإسلامي، فقد كانت فترة مليئة بالصراعات والطموحات السياسية، لكنها حملت أيضًا إنجازات إدارية وعمرانية مهمة، أبرزها إعادة بناء الكعبة، ولفترة قصيرة، كانت مكة عاصمة لدولة إسلامية مستقلة، قبل أن تعود مجددًا تحت الحكم الأموي بعد مقتله.

المصادر: