لم تكن علوم الطب والفلك مسلك حديث يتطور ويدرس اليوم في مختلف دول العالم لولا انطلاقه من أثر الحضارة الإسلامية الكبير عليه، فقد أسهمت هذه الحضارة في تمهيد طريق تلك العلوم لتصبح من الأسس العلمية الحديثة، حيث أن هناك عددا من علماء المسلمين الذين ينسب لهم الفضل في هذا التقدم، خاصة في مجال الطب، الذي كان انطلاقه من العالم الإسلامي ابن سينا.
يتجلى مطلع ابن سينا في أشهر مؤلفاته عن الطب «القانون في الطب» على ثلاث سلاسل مستأنفًا بها كل ما يتعلق بالطب، واستمر كتابه الشهير يُدرس في الجامعات حتى أصبح مصدرًا رئيسا يستند عليه من مختلف أنحاء العالم، وكان ابن سينا في بدايته يعتمد في تشخيص الأمراض عن طريق الملاحظة الدقيقة ملتزمًا بالأمانة العلمية، وذلك برؤيته أن للأمراض أعراضًا تدل عليه.
وانتقل بعد مرحلة الملاحظة إلى مرحلة وضع الفرضيات بناءً على ملاحظته الشخصية، وتحتمل في حصيلتها الصواب أو الخطأ لينتج بعد الخضوع للاختبار التجريبي إلى ترسيخ قانون. كما أن الفرضيات التي تبناها ابن سينا في مرحلته تعد محاولة للتفسير، حيث تنسجم الملاحظات مع بعضها البعض لتكشف عن قِسم العلاقات الثابتة فيها. وأما عن نتائج التفسير الكاذب فهي تحمل في طياتها خطة العودة بالبحث عن تفسير يتفق مع الوقائع، والنتائج الصادقة المتفقة مع الوقائع تقيّد لتصبح بحثًا وقانونًا مفروض.
وفي المرحلة الثالثة يأتي دور التجربة للإجراء العلمي، وهي تعد المرحلة الحاسمة لتقرير مصداقية الفرض المقدم لتفسير الظاهرة، فقد كان ابن سينا كثيرًا ما يثبت من الفرض العلمي، عن طريق بتكرار التجربة وتنويعها على الظاهرة، ومن ثم وصوله لمرحلة وضع القانون العلمي.
وعن منجزات ابن سينا في حياته كعالم وطبيب مسلم، يبرز كأول من صرح بالأمراض المعدية الناقلة من الماء والتراب، وأول من وصف التهاب السحايا وصفًا صحيحًا، فضلًا عن منهجه العلمي المعتمد. كما يوضح «قول أحمد محمود صبحي ومحمود زيدان عما قدمه علماء المسلمين بصفة عامة في مجال الطب، وما قدمه ابن سينا بصفة خاصة، والذي جاء فيه: (إن ما أضافه الطب العربي الإسلامي إلى الطب اليوناني يفوق ما أضافه اليونان إلى طب مصر القديمة، ومن ثم أمكن لكتاب القانون في طب لابن سينا أن يتصدر المراجع الطبية في الشرق والغرب حتى نهاية القرن الثامن عشر».