أصبح الحديث المجتمعي بين الناس في مستهل شهر رمضان المبارك وخلال أيام الدراسة غياب الطلاب والطالبات في التعليم العام عن مدارسهم، حتى أن الكثير اعتبروها ظاهرة مؤرقة لهم، وأن الغياب يتم باتفاق الطلاب عبر مجموعات "واتساب" أو تليجرام"!.
أعادنا هذا الحديث المجتمعي المتداول إلى تحذيرات جرت تحت قبة مجلس الشورى أثناء مناقشة ودراسة تقارير الأداء السنوية لوزارة التعليم، أفضت إلى قرار للشورى على التقرير السنوي للوزارة للعام المالي 43-1444هـ، شدّد فيه على دراسة أسباب الغياب المتكرر لطلاب مدارس التعليم العام، وأثره على جودة العملية التعليمية، مع تطوير السياسات والإجراءات وتقديم حلول مبتكرة لمعالجة ذلك، وقد أرجع تقرير للجنة التعليم والبحث العلمي الشوريّة قرار المجلس إلى أن الغياب المتكرر للطلاب عن مدارسهم أصبح ظاهرة مقلقة للقطاع التعليمي وللمجتمع بشكل عام، وقد تناولت وسائل الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي نقاشات واسعة حول هذا الموضوع، وعليه وجهت اللجنة استفساراً للوزارة عن سبب ارتفاع نسبة الغياب في مدارس التعليم العام وعن خطة الوزارة في معالجة هذه المشكلة؟، وقد جاءت الإجابة خالية من أي بيانات أو إحصاءات تعكس حجم المشكلة ويمكن أن يُبنى عليها دراسات وافية تقف على الأسباب الحقيقية وراء تزايد هذه الظاهرة؛ ومن ثم تقديم الحلول الناجعة لمعالجتها.
بحث الأسباب
وعلى الرغم من السياسات والإجراءات التي تتبعها وزارة التعليم حالياً لمواجهة مشكلة الغياب المتكرر لطلاب مدارس التعليم العام؛ إلاّ أن هذه المشكلة برزت بشكل واضح في الآونة الأخيرة تزامناً مع التغيرات التي شهدتها منظومة التعليم العام، والتي تمثلت في تطبيق نظام الفصول الثلاثة، ونظام الإجازات المطولة خلال فصول العام الدراسي، وبعد جائحة كورونا التي أثرت سلباً على التعليم التقليدي -الحضوري- وفرضت الاتجاه إلى التعليم عن بُعد باعتباره طوق النجاة الذي يساعد الطلاب على استكمال عمليتهم التعليمية، حيث شهدنا أكبر عملية انقطاع عن التعليم الحضوري وتعوّد الطلاب على ذلك بعد تخطي هذه الجائحة، وهو ما يستوجب دراسة الارتباط بين ازدياد الغياب المدرسي مع هذه المتغيرات وجميع العوامل الأخرى التي قد تؤثر على ارتفاع نسب غياب الطلاب في مدارس التعليم العام، وبالرجوع إلى تقرير الوزارة، نجد أنه أغفل الإشارة إلى هذه الظاهرة ولم ينشر أي إحصاءات عن نسب الغياب للطلاب، وهو ما على الوزارة مراعاته في التقارير القادمة، ونظراً لما يمثله انضباط الطلاب في الحضور للمدرسة من أهمية قصوى في نجاح العملية التعليمية، ولما يمثله الغياب المدرسي من هدر تعليمي وظهور الكثير من السلوكيات السلبية لدى النشء، طالبت لجنة التعليم والبحث العلمي بدراسة أسباب الغياب المتكرر لطلاب مدارس التعليم العام، وأثره على جودة العملية التعليمية؛ مع تطوير السياسات والإجراءات وتقديم حلول مبتكرة لمعالجة ذلك.
اتساع وتنظيم
وذكرت الدكتورة لطيفة الشعلان -عضو الشورى السابق- أنه بدأت بوادر ظاهرة جديدة، وهي غياب المعلمين أنفسهم الذي يسببه السفر في الإجازات المطولة، حيث يأخذ أحدهم يومين إضافيين مع أيام الاجازة الأصلية، مضيفةً عن ظاهرة غياب الطلاب في التعليم العام: لسنا أمام غياب متكرر كما سمته لجنة التعليم والبحث العلمي وعهدناه في السابق، بل نحن أمام أضخم ظاهرة غياب جماعي عرفها تاريخ التعليم في المملكة من بين أهم مسبباتها في رأييّ نظام الفصول الثلاثة والإجازات المطولة، فقد بلغ للأسف الغياب الجماعي من الاتساع والتنظيم درجة كبيرة ملفتة، حيث تستخدم مجموعات "الواتساب" و"التليجرام" في التنظيم والحث على الغياب ليومين أو ثلاثة قبل الإجازات المطولة أو بعدها، وتابعت: يشارك في هذا التنظيم العديد من أولياء الأمور إن كان التلاميذ صغاراً، أو الطلبة أنفسهم في المراحل العليا، وسط إشارات ضمنية تصل للطلبة وأولياء الأمور في بعض المدارس ومن بعض المعلمين بالتساهل في احتساب الغياب، ومن يتحدى إحدى دعوات الغياب الجماعي ويرسل ابنه للمدرسة فسيعلم لاحقاً -كما علمت شخصياً في بضع مرات- أن ابنه قضى اليوم كاملاً وحيداً أو مع واحد أو اثنين من زملائه وسط غياب كثيف وتعطل للحصص الدراسية، مشيرةً إلى خبر نشر مؤخراً مفاده أن الوزارة بدأت في تقييم نظام الفصول الثلاثة من خلال جمع البيانات من مديري إدارات التعليم ومديري مكاتب التعليم، وقالت: ليت الوزارة التي فرضت نظام الفصول الثلاثة بدون استطلاع آراء الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين، تشركهم الآن في هذا التقييم حتى تعرف الصورة الكاملة من كافة جوانبها، وأن تشرك كذلك رؤى المحايدين أو المستقلين عن أعمال الوزارة من المختصين في المناهج واقتصاديات التعليم، مُشددةً على أنه آن الأوان لتغيير وثيقة سياسة التعليم التي دشنت منذ أكثر من خمسة عقود ولم تعد مواكبة لمتطلبات العصر المعرفية، ولا تلبي المعايير التعليمية الدولية ولا أهداف رؤية المملكة، وربما كان استمرار هذه الوثيقة من بين الأسباب التي أدت إلى أن تطوير المناهج مازال يلامس الشكل أكثر بكثير من الجوهر.
هناك مركزية
وكان مجلس الشورى قد ناقش التقرير السنوي لوزارة التعليم للعام المالي 43-1444هـ، وانتقد أعضاء أداء الوزارة في ملفات تحديد مواعيد بداية العام الدراسي والفصول الثلاثة والإجازات المطولة والغياب المتكرر والكبير لطلاب التعليم العام ونتائج الطلاب في بعض الاختبارات الدولية، إضافةً إلى أنه لا زالت هناك مركزية للوزارة في اتخاذ القرارات الخاصة بالجامعات التي ينطبق عليها نظام الجامعات الجديد، وإثقال كاهل المعلمين والمعلمات بتطبيق برامج تدريبية، لتمكينهم من تدريس تخصصات إضافية جديدة إلى جانب تخصصاتهم الأساسية وذلك لسد الاحتياج.
وعوداً إلى مؤشرات أثر الفصول الثلاثة على تزايد الغياب وتحوله إلى ظاهرة، فمجلس الشورى تدرّج في قراراته بشأن نظام الفصول الثلاثة مع دراسات متأنية ومستفيضة لتقارير أداء وزارة التعليم منذ بدء تطبيق النظام وحتى مضي ثلاث سنوات على العمل به، فقد طالب في قراراتها على التقرير السنوي لوزارة التعليم للعام المالي 41-1442 بوضع خطة شاملة لضمان نجاح أهداف التغيير التنظيمي الجديد -التحول إلى النظام الثلثي- وإيضاح مبررات التغيير التنظيمي الجديد لقادة التعليم، رؤساء الجامعات، مديرو التعليم في المناطق والمحافظات، ومديرو المدارس، للحد من القوى المقاومة للتغيير، ووضع مؤشرات أداء قابلة للقياس لمتابعة الأداء الفعلي عند تطبيق النظام تهدف للتقويم والتحسين المبكرين، إضافةً إلى تدشين حملة توعوية شاملة توضح مستجدات النظام التعليمي الجديد وتستهدف أولياء أمور الطلبة والطلبة والكادر التعليمي والإداري، وطالب الشورى الوزارة بتطوير البيئات التعليمية في المدارس والجامعات، بما يتوافق مع تطبيق النظام الدراسي الثلثي، وجاءت هذه القرارات في محرم عام 1443هـ، كذلك إعادة النظر في تطبيق نظام الفصول الأكاديمية الثلاثة -النظام الثلثي- على الجامعات السعودية، والكليات التقنية التابعة للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، بما ينسجم مع أفضل الممارسات والتوجهات العالمية في مجال التعليم العالي، ويتسق مع استقلالية الجامعات حسب نظامها، وشدّد المجلس على تقويم تطبيق نظام الفصول الدراسية الثلاثة على مدارس التعليم العام، بما يؤدي إلى توصيات تدعم استمرار تطبيقه وتطويره، أو العودة إلى النظام النصفي، مع إجراء التعديلات اللازمة عليه، وشدد كذلك على إعادة النظر في تطبيق نظام المسارات على مدارس الثانوية العامة، بما ينسجم مع أفضل الممارسات المالية في مجال التعليم الثانوي.
خطط طموحة
وعلى التقرير السنوي للوزارة للعام المالي 43-1444 كان لمجلس الشورى قرار لدراسة أسباب الغياب المتكرر لطلاب مدارس التعليم العام، وأثره على جودة العملية التعليمية؛ مع تطوير السياسات والإجراءات وتقديم حلول مبتكرة لمعالجة ذلك، مشيراً فيه إلى أن هذه المشكلة برزت بشكل واضح في الآونة الأخيرة تزامناً مع التغيرات التي شهدتها منظومة التعليم العام، والتي تمثلت في تطبيق نظام الفصول الثلاثة، ونظام الإجازات المطولة خلال فصول العام الدراسي، إلى جانب أن جائحة كورونا أثرت سلباً على التعليم التقليدي -الحضوري-، وكثيراً ما يؤكد مجلس الشورى أن الإنسان هو المحرك الأساس للتنمية والازدهار، وقد وضع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- مسار تطوير التعليم في مقدمة مسارات النهضة الشاملة للوطن، حيث تبنّت الدولة عدة خطط طموحة لتحقيق جودة التعليم ومواكبته لتلبية احتياجات سوق العمل، وبالتناغم مع ذلك التوجه الاستراتيجي، حرص مجلس الشورى على أن يكون داعمًا لأجهزة التعليم ومؤسساته في الدولة لتحقيق هذا الهدف الأسمى من خلال طرح وتدارس العشرات من المقترحات والتوصيات ومشروعات الأنظمة واللوائح التي عكف على إعدادها فريق من المتخصصين من الأكاديميين وخبراء التعليم بكل قطاعاته الأساسية والمهنية والجامعية.