كانت مكة موطنًا لعدد من الجاليات المتنوعة من مختلف الأجناس واللغات، حيث كانوا يشعرون نحوها كما لو كانت وطنهم، رغم كونهم غرباء عنها. فقد انسجمت العديد من هذه الجاليات في المجتمع المكي، بفضل تطلعاتهم، وعلاقاتهم الوظيفية، إلى جانب عوامل عديدة ساهمت في تقريبهم من المجتمع المكي، ومع مرور الوقت، نجحوا في التأقلم والاندماج ضمن المجتمع.

من بين مختلف صور سعي الجاليات في العيش في مكة، هناك العديد من أشكال التدرج نحو التأقلم مع المجتمع المكي، والجدير بالذكر من أنه لا تكاد توجد فوارق كبيرة بين المجتمعين ليعد الزواج أحد الروابط الأساسية التي تسهم في هذا الإنتاج بينهم؛ فالمرأة التي تتزوج من رجل تربى في مكة تصبح مكية، ومع مرور الأجيال، في الجيلين الثاني أو الثالث، تتلاشى صلة الأسرة بأصولها القديمة. فهذا الخليط السكاني من المواطنين يندمج تدريجيًا في ضمن المجتمع المحلي، رغم غياب روابط القرابة بين أفراده، فعند النظر في عامل التزاوج بين هذه الفئات المختلفة، وخاصة تعدد الزوجات، ندرك أن كل حي من أحياء مكة المكرمة يضم مجموعة متنوعة من الأجناس المختلفة، حتى داخل الأسرة الواحدة، يمكننا ملاحظة تنوع كبير في ألوان البشرة التي تمثل مختلف الألوان البشرية المعروفة، فمسألة اندماج الفئات العرقية المختلفة في المجتمع المحلي مستمرة في مكة، وتتجدد باستمرار طالما هناك عناصر وافدة إلى المجتمع.

رغم أن المجتمع المكي ينحدر من عدة أصول، معظمها من خارج الجزيرة، إلا أنه يعكس بوضوح خصائص سكان غربي الجزيرة العربية. وهذا يتجلى في التفاعل بين العادات والأخلاق التي جاء بها هؤلاء المهاجرون، وتلك التي كانت سائدة في المجتمع المحلي بفئاته المختلفة، مثل: الأشراف والسادة، والعائلات المكية القديمة، إلى جانب القبائل الحجازية. كما يضاف إلى ذلك المهاجرون القادمون من جنوب الجزيرة العربية (من الحضارمة واليمنيين)، الذين يتشابهون في عاداتهم وتقاليدهم مع سكان مكة الأصليين. رغم أن المهاجرين من فئات مختلفة يتخلون عن عاداتهم الوطنية مع مرور الزمن، إلا أنهم تركوا تأثيرًا على المجتمع المحلي من خلال العادات والتقاليد التي جلبوها من أوطانهم.