قال محمد البشير رئيس الوزراء الانتقالي الجديد في سورية إنه يسعى لإعادة ملايين اللاجئين السوريين وحماية جميع المواطنين وتقديم الخدمات الأساسية لكنه أقر بصعوبة تحقيق ذلك مع افتقار البلاد للعملة الأجنبية.
وأضاف لصحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية أن خزائن الدولة لا تحوي إلا نقودا بالعملة السورية لا تساوي شيئا يذكر بالدولار، مشيرا إلى أن سعر صرفه يعادل نحو 35 ألف ليرة سورية.
وأضاف البشير أن سورية ليس لديها حاليا سيولة بالعملات الأجنبية وأشار إلى أن الحكومة مازالت تجمع بيانات عن القروض والسندات وقال إن وضع البلاد المالي بالغ السوء.
وقاد البشير من قبل حكومة إنقاذ في جيب صغير في شمال غرب سورية قبل أن تصل قوات من المعارضة المسلحة إلى دمشق في هجوم خاطف لم يستغرق سوى 12 يوما انتهى بالإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
وإعادة إعمار سورية ستكون مهمة ضخمة بعد حرب أهلية استمرت 13 عاما وأودت بحياة مئات الألوف وتعرضت خلالها مدن للقصف حتى أصبحت كومة من الركام، وهجر السكان مساحات شاسعة من المناطق الريفية، وتضرر الاقتصاد بسبب العقوبات الدولية. وما زال ملايين اللاجئين يعيشون في المخيمات بعد واحدة من أكبر عمليات النزوح في العصر الحديث.
ومع تعليق الدول الأوروبية للنظر في طلبات اللجوء المقدمة من سوريين، بدأ بعض اللاجئين من تركيا وأماكن أخرى في العودة إلى ديارهم.
ويتواصل مسؤولون أميركيون مع قوات من المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام وحثوها على عدم تولي قيادة البلاد مباشرة والعمل بدلا من ذلك على إدارة عملية شاملة لتشكيل حكومة انتقالية.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان إن الحكومة الجديدة يجب أن "تتقيد بالتزامات واضحة باحترام حقوق الأقليات بشكل كامل، وتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى كل المحتاجين، ومنع استخدام سورية كقاعدة للإرهاب أو تشكيل تهديد لجيرانها".
وفي كلمة قصيرة بثها التلفزيون الرسمي الثلاثاء، قال البشير إنه سيقود حكومة انتقالية حتى الأول من مارس.
وتحدث البشير ومن خلفه ظهر علم المعارضة المسلحة طوال فترة الحرب الأهلية بألوانه الثلاثة، الأخضر والأبيض والأسود، وراية بيضاء مكتوب عليها الشهادتين باللون الأسود.
وأضاف البشير "اليوم تم عقد جلسة مجلس الوزراء، ضمت فريق العمل في حكومة الإنقاذ السورية التي كانت عاملة في منطقة إدلب وما حولها، بالإضافة للحكومة السورية للنظام المخلوع".
سيروا معا
يراقب العالم عن كثب ليرى ما إذا كان بوسع حكام سورية الجدد تحقيق الاستقرار في بلد قد تسعى فيه فصائل مختلفة للانتقام بعد حرب أهلية ضروس شهدت انقسامات طائفية وعرقية.
وفي أول تصريحات علنية يدلي بها عن سورية منذ نهاية عهد الأسد، دعا البابا فرنسيس بابا الفاتيكان المجموعات الدينية المختلفة في سورية إلى "السير معا بود واحترام متبادل من أجل خير الأمة".
وبالنسبة للاجئين، أثار إمكان عودتهم لبلادهم مزيجا من الفرح والحزن على ما شهدوه في الخارج من مصاعب.
وبكى علاء جبير وهو يستعد للعبور من تركيا إلى سورية مع ابنته البالغة من العمر 10 سنوات الثلاثاء، إذ أجبرته الحرب على الفرار من منزله. لكنه يعود دون زوجته وثلاثة من أبنائه الذين لقوا حتفهم في الزلازل المدمرة التي ضربت المنطقة العام الماضي.
وقال "إن شاء الله ستكون الأمور أفضل مما كانت عليه في عهد حكومة الأسد، لقد رأينا بالفعل أن قمعه انتهى... السبب الأهم لعودتي هو أن والدتي تعيش في اللاذقية، وهي قادرة على رعاية ابنتي، لأستطيع العمل".
وفي دمشق، أعادت البنوك فتح أبوابها الثلاثاء للمرة الأولى منذ الإطاحة بالأسد. وأعادت المتاجر فتح أبوابها وعادت حركة المرور إلى الطرق وبدأ عمال النظافة تنظيف الشوارع، مع وجود أعداد قليلة من المسلحين.
حذر أميركي
قال جون فاينر نائب مستشار الأمن القومي الأميركي لرويترز إن الولايات المتحدة لا تزال تعمل على تحديد سبل التعامل مع جماعات المعارضة، مضيفا أنه لم يحدث تغير رسمي في السياسة حتى الآن وأن ما يهم هو تصرفات هذه الجماعات.
وأضاف أن القوات الأميركية في شمال شرق سورية، ويقدر قوامها بنحو 900 جندي، التي تعمل في إطار مهمة لمكافحة الإرهاب ستبقى هناك. وزار القائد الأعلى الأميركي المسؤول عن الشرق الأوسط هذه القوات الثلاثاء.
ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر ذكر ما إذا كانت واشنطن ستلغي تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية أجنبية، وهو تصنيف يمنع الولايات المتحدة من مساعدتها. وقال "لقد رأينا على مر السنين عددا كبيرا من الجماعات المتشددة التي استولت على السلطة، وتعهدت باحترام الأقليات، وتعهدت باحترام الحرية الدينية، وتعهدت بالحكم بطريقة شاملة، ثم رأيناها تنقض هذه الوعود".
وأضاف ميلر أن الولايات المتحدة طلبت من هيئة تحرير الشام المساعدة في تحديد مكان الصحفي الأميركي أوستن تايس، الذي خطف في سورية في 2012. وقال إن هذه القضية "أولوية" بالنسبة لواشنطن.
وأظهرت رسالة اطلعت عليها رويترز أن عضوين في الكونغرس الأميركي حثا مسؤولين كبارا في إدارة الرئيس جو بايدن على تعليق بعض العقوبات المفروضة على سورية لتخفيف الضغوط على اقتصادها المنهار بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
والخطوة هي أحدث مساعي الغرب من أجل تخفيف العقوبات بعد أن سيطرت قوات من المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام، على دمشق.
وقال وزير بريطاني الاثنين إن بريطانيا قد تعيد النظر في تصنيفها لهيئة تحرير الشام منظمة محظورة.
وتم توجيه الرسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يلين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان. ووقع الرسالة التي تحمل تاريخ الثلاثاء كل من النائب جو ويلسون، الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري ويترأس لجنة فرعية للشؤون الخارجية معنية بالشرق الأوسط في مجلس النواب الأميركي، والنائب برندان بويل المنتمي للحزب الديمقراطي ويترأس مجموعة أصدقاء سورية الحرة بالكونغرس.
وتؤيد الرسالة التمديد المحتمل لخمس سنوات أخرى لعقوبات (قانون قيصر)، والتي تنطبق على قطاعات الأعمال السورية وعلى أي تعامل أميركي مع سورية أو مع كيانات روسية وإيرانية في سورية.
وكتب ويلسون وبويل أن العقوبات حرمت الأسد من الحصول على موارد لدعم الجيش وساهمت في نهاية المطاف في انهياره، في البداية في مدينة حلب شمال سورية في 29 نوفمبر ثم في سلسلة من الخسائر وصولا إلى دمشق في الثامن من ديسمبر.
وكتب النائبان أنه مع أهمية إبقاء العقوبات على المسؤولين الحكوميين السابقين فإنهما يعتقدان أن "أجزاء أخرى من القانون، مثل العقوبات المرتبطة بالقطاعات والعقوبات المتعلقة بإعادة الإعمار، يجب تعليقها".
وجاء في الرسالة أن على الولايات المتحدة أن تصدر إعفاءات وتصاريح عامة لتشجيع التنمية الاقتصادية والاستثمار الأجنبي و"بناء حسن النوايا" دون المساس بالعقوبات المفروضة على الجماعات المصنفة إرهابية.
وتصنف الولايات المتحدة ومعظم الدول الأخرى وكذلك الأمم المتحدة هيئة تحرير الشام جماعة إرهابية.
وذكرت رويترز الثلاثاء أن السلطات الجديدة في سورية أبلغت رجال الأعمال بأنها ستتبنى نموذج السوق الحرة وتدمج البلاد في الاقتصاد العالمي.
وقال ويلسون وبويل في الرسالة "هناك حاجة إلى نهج مدروس وتدريجي لرفع العقوبات وقيود التصدير المفروضة ضد سورية"، بما في ذلك "تحفيز امتثال الحكومة الانتقالية للمعايير الدولية".
وقال مصدر مقرب من هيئة تحرير الشام لرويترز الثلاثاء إنها تتواصل مع مسؤولين أميركيين بشأن رفع البعض من عقوبات قانون قيصر.
وقال المصدر "يجب تذليل كل العقبات التي تواجه الشعب السوري ومستقبله".
وصرح دبلوماسي أوروبي كبير لرويترز بأن دولا أخرى تضغط من أجل إعفاءات إنسانية واسعة النطاق، مثل الإعفاءات التي استمرت لشهور بعد زلزال عام 2023 المدمر للسماح بوصول المساعدات العاجلة إلى سورية. وقال الدبلوماسي إن "من السابق لأوانه" إسقاط جميع العقوبات تماما نظرا للدور البارز الذي تلعبه هيئة تحرير الشام في السلطة.