تعهد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام تنفيذ خطوات إصلاحية وبناء «الثقة» مع المجتمع الدولي، مع تأليفه حكومة جديدة تضع حدا لأكثر من عامين ونصف عام من تصريف الأعمال في السلطة التنفيذية، وذلك على وقع تغييرات في موازين القوى السياسية بعد إضعاف حزب الله إثر حرب مدمّرة مع إسرائيل. وتواجه الحكومة التي تعهّد سلام أن تركز على «الإصلاح والإنقاذ»، تحديات أبرزها إعادة الإعمار وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و»حزب الله»، وتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية تشترطها الدول المانحة لدعم لبنان الذي يعاني من تبعات أزمات عدة منها انهيار اقتصادي غير مسبوق.

ومنذ منتصف 2022، تولت حكومة برئاسة نجيب ميقاتي تصريف الأعمال بعدما حالت تجاذبات بين «حزب الله» وخصومه دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية عقب انتهاء ولاية ميشال عون الذي كان حليفا للحزب. وبضغط دولي، انتخب قائد الجيش جوزيف عون رئيسا جديدا في يناير، وذلك بعد أسابيع من سريان وقف إطلاق النار في حرب تعرّض خلالها «حزب الله» لضربات مؤلمة. وتمّ تكليف سلام الذي كان رئيسا لمحكمة العدل الدولية، تشكيل حكومة جديدة. وقال سلام في كلمة من القصر الجمهوري في بعبدا إثر لقاء مع عون ورئيس البرلمان نبيه بري «إن الإصلاح هو الطريق الوحيد الى الإنقاذ الحقيقي». وأوضح أن ذلك يأتي عبر «تأمين الأمن والاستقرار في لبنان عبر استكمال تنفيذ القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار ومتابعة انسحاب إسرائيل حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية، وذلك بالتلازم مع إعادة الإعمار».

ترحيب دولي: فصل جديد يطبّق الإصلاحات ويحقق الأهداف

أضاف «ستسعى هذه الحكومة إلى إعادة الثقة بين المواطنين والدولة وبين لبنان ومحيطه العربي وبين لبنان والمجتمع الدولي». وسيكون سلام (71 عاما) على رأس حكومة من 24 وزيرا بينهم خمس وزيرات، وضمت الحكومة أسماء معروفة أبرزها غسان سلامة المبعوث السابق للأمين العام للأمم المتحدة الى ليبيا، العائد إلى وزارة الثقافة. وسبق لسلام أن أكد رفضه ضمّ حزبيين أو مرشحين إلى الانتخابات النيابية المفترض إجراؤها العام المقبل، مشددا على معايير الكفاءة والسيرة المهنية. وبينما غابت الأسماء الحزبية، سمّيَ العديد من الوزراء بالتشاور مع قادة الأحزاب في بلد يقوم على المحاصصة السياسية والطائفية، ولا سيما أن الحكومة تحتاج لنيل الثقة في برلمان تهيمن عليه القوى التقليدية. وشدد عون على أن التأليف استند إلى معايير «الكفاءة والخبرة والاختصاص». وتعقد الحكومة جلستها الأولى غدا الثلاثاء 11 فبراير في القصر الجمهوري. وأمامها مهلة دستورية من 30 يوما من تاريخ إصدار مراسيمها، لإعداد بيان وزاري تتقدم على أساسه لنيل الثقة. وأكد سلام أنه سيركّز على «قيام دولة القانون والمؤسسات»، وعزمه «على إرساء الأسس الضرورية للإصلاح والإنقاذ». ولقي تشكيل الحكومة ترحيبا دوليا، مع تأكيد أولوية الإصلاح. وقالت السفارة الأميركية «يستحق الشعب اللبناني حكومة ستعيد بناء مؤسسات الدولة اللبنانية، تكافح الفساد، وتطبّق الإصلاحات الضرورية»، داعية إلى «بيان وزاري يساعد لبنان على رسم مسار نحو تحقيق هذه الأهداف».

وأعلن قصر الاليزيه أن الرئيس إيمانويل ماكرون هنّأ المسؤولين اللبنانيين على تأليف الحكومة، مؤكدا «وقوف فرنسا إلى جانب لبنان لمواجهة التحديات المتعددة» أمام الحكومة الجديدة.

وأكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس الاستعداد «لدعم الحكومة الجديدة في تنفيذ أجندة إصلاحية وتطلعية، وإعادة إطلاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان من خلال تنظيم مجلس شراكة هذا العام». بدورها، قالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس-بلاسخارت «إن تشكيل الحكومة اليوم يمهد لفصل جديد ومشرق للبنان». وأضافت «تتطلع الأمم المتحدة إلى العمل مع حكومة لبنان في جهودها الرامية إلى تعزيز الإصلاحات الأساسية وتوطيد الأمن والاستقرار من خلال التنفيذ الكامل للقرار 1701».

وأتى تشكيل الحكومة غداة تأكيد واشنطن أنها تعارض مشاركة الحزب في الحكومة بعد «هزيمته» عسكريا. وقالت مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، «وضعنا في الولايات المتحدة خطوطا حمراء واضحة، تمنع (حزب الله) من ترهيب الشعب اللبناني، بما في ذلك عبر مشاركتهم في الحكومة» المقبلة.