على الرغم من أن سورينام واحدة من أصغر الدول في نصف الكرة الغربي، فهي تكتسب أهمية مع تحركها في نفس اتجاه جارتها جويانا لتصبح واحدة من أحدث الدول المنتجة للنفط. وقال الدكتور سكوت بي. ماكدونالد كبير المحللين الاقتصاديين في مؤسسة "سميثز ريسيرش أند جرادينجز" إن هذا التطور تراقبه كل من واشنطن وبكين عن كثب، خاصة مع سعيهما لتعزيز وضعهما في الأميركتين في إطار التنافس العالمي الشديد الذي يحمل كل علامات حرب باردة جديدة. وقال ماكدونالد الباحث الزميل في "كونسوتريوم السياسات الكاريبية" والباحث الزميل في مؤسسة "جلوبال أميركانز"، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية إن الصين كانت تلعب دورًا في سورينام خلال العقدين الماضيين. وهي أكبر مقرض سيادي للدولة الكاريبية وشريك تجاري رئيس لها. وتشارك الشركات الصينية بنشاط في تحديث البنية التحتية للبلاد، وفي الفترة الأخيرة، ركزت الدولتان على قطاع الاستخراج في البلاد وتحديدًا النفط والبوكسيت. كما أن الصين أقامت معهد كونفوشيوس في جامعة سورينام الرائدة "جامعة أنطون دي كوم"، حيث ينقل المعهد الرسالة بأن المشاركة مع جمهورية الصين الشعبية هي علاقة مربحة تمامًا مع واحدة من أكثر دول العالم نجاحًا من الناحية الاقتصادية. وقد تم تأسيس هذه العلاقة على التنسيق متعدد الأطراف والتضامن والتعاون، وبالطبع تمسك صارم بمبدأ الصين واحدة (عدم الاعتراف بتايوان كدولة مستقلة). وكان جزء كبير من هذه المشاركة تحت رعاية مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي انضمت إليها سورينام في عام 2018.

كما كان للقاءات رئيسي البلدين دور، حيث زار ديسي بوترسي، رئيس سورينام من عام 2010 وحتى عام 2020، الصين في عام 2019، وقام تشان سانتوخي، الذي خلف بوترسي في عام 2020، بزيارة رسمية للصين في أبريل(نيسان) 2024. والتقى سانتوخي بالرئيس شي جين بينج، وبحث الرئيسان إمكانية التعاون في البنية التحتية والزراعة والغابات والطاقة. وخلال زيارته، قال سانتوخي، "إن الصين تتولى دور القيادة في العالم وتدعم الدول الأخرى. وأحد الأمثلة على ذلك هو خطة الحزام والطريق للتعاون. بلادي أيضًا تستفيد من هذا التطور". كما أكد أن مبادرة الحزام والطريق يمكن تنفيذها من خلال مجتمع دول أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي والمجتمع الكاريبي، ويمكن أيضًا أن تساعد في تعزيز "التعاون بين دول الجنوب" و"يمكن أن تحسن الاتصال بين دول أميركا اللاتينية والصين".

وأشار ماكدونالد إلى أن قطاع الصناعات الاستخراجية يعد جزءًا رئيسيًا من العلاقات الاقتصادية الصينية-السورينامية، والذي يتبع نمطًا واضحًا في بقية دول منطقة البحر الكاريبي وأميركا اللاتينية. وأوضح أن أحد أكبر عمليات تعدين الذهب في البلاد مملوكة لشركة زيجين الصينية، التي اشترت "آي ايه ام جولد" الكندية، كما تنشط الشركات الصينية في قطاع الأخشاب. وفي نوفمبر(تشرين الثاني) 2024، تم الإعلان عن أن شركة التعدين الصينية "تشاينالكو" وحكومة سورينام وقعتا مذكرة تفاهم لكي تستثمر الشركة الصينية 426 مليون دولار في تعدين البوكسيت. ويجب أن توافق الجمعية الوطنية في سورينام على الصفقة. وكان البوكسيت هو الصناعة الرئيسية في سورينام خلال معظم القرن العشرين، لكنها توقفت في عام 2010 بسبب تحديات من جانب ظروف السوق العالمية ومشكلات داخلية في سورينام.

وقال ماكدونالد إنه في حين أن البنية التحتية والتعدين جزء من النشاط الاقتصادي الذي تسعى الصين لتصوير أنه مربح للجانبين، تحافظ الصين على نفوذها الأكثر أهمية على البلاد من خلال كونها أكبر حامل للديون السيادية الخاصة بسورينام.

وخلال فترة حكم بوترسي تم اقتراض نحو 5ر1 مليار دولار، معظمها من الصين، بما في ذلك خط ائتمان من البنك المركزي الصيني، تم استخدام بعضها للدفع لشركة هواوي الصينية المصنعة لمعدات الاتصالات السلكية واللاسلكية، لتحديث نظام الهاتف.

وبينما تخلفت سورينام عن سداد ديونها في عام 2020، لم تتم تسوية هذه المسألة بين البلدين إلا في نوفمبر(تشرين الثاني) 2024. وبموجب الاتفاق، وافقت سورينام على سداد 476 مليون دولار (منها 140 مليون دولار متأخرة) تدين بها لبنك التصدير والاستيراد الصيني. وتم تقدير إجمالي ديون سورينام حتى 31 ديسمبر(كانون الأول) 2023، بمبلغ 7ر2 مليار دولار.

وقال ماكدونالد إن شعب سورينام ليسوا جميعًا سعداء بدور الصين الكبير في بلدهم. وفي الواقع، أثارت المفاوضات الطويلة مع الصين بشأن الديون (والتي استمرت أربعة أعوام) أسئلة عن التنمر من جانب الصين. كما تعرضت صفقة شركة "تشاينالكو" المقترحة أيضا لانتقادات.

ويرى ماكدونالد أنه مع تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب السلطة، من المقرر أن يشتد التنافس بين الصين والولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، تهتم الولايات المتحدة بسورينام، حيث أنها دولة ديمقراطية مثلها وذات توجه نحو الرأسمالية. والأهم من ذلك كله، هو أن قطاعي النفط والغاز بها على وشك الإنطلاق في الأعوام القليلة المقبلة (بدعم من استثمار من شركتي "توتال انيرجيز" و"ايه بي ايه" قدره 5ر10 مليار دولار). ويمكن أن يوفر تطوير قطاع النفط والغاز فرصا جديدة للشركات الأميركية. وتعد الولايات المتحدة أيضا أكبر شريك تجاري لسورينام (وفقا لاتجاه إحصاءات التجارة بصندوق النقد الدولي).

وبالنسبة للولايات المتحدة، هناك حاجة إلى تحديث الاستراتيجية الاقتصادية لكي تتنافس مع الصين. في ديسمبر(كانون الأول) 2024، أكد بنك التصدير والاستيراد في الولايات المتحدة أنه وافق على قرض بقيمة 526 مليون دولار إلى جويانا لدعم مشروع الغاز والطاقة في البلاد. وسيسهل التمويل بناء "محطة لفصل الغاز الطبيعي ومحطة توليد طاقة من توربينات الغاز المشتركة بقوة 300 ميجاوات والخدمات المرتبطة بخط أنابيب لإمدادات الغاز".

وسيساعد القرض جويانا على تحديث نظام توليد الطاقة القديم والملوث (الذي يعمل بالنفط)، واستبداله ليحل محله الغاز الطبيعي الأقل تلويثا، ومواصلة جهودها لتطوير الطاقة المتجددة.

واختتم ماكدونالد تحليله بالقول إن القرض الأخير لجويانا يوفر نوع الدعم الذي تحتاج إليه دول مثل سورينام، والذي كانت الصين مستعدة لتوفيره في الماضي. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن يكون لها دور، يتعين عليها محاربة النار بالنار وانتهاج نفس الأساليب التي تنتهجها الصين. وربما لا تكون سورينام في الوقت الحالي مهمة للغاية بالنسبة لواشنطن، إلا أن مكانتها الجغرافية الاقتصادية تزداد أهمية، وهي تواجه تحديات كبيرة. وبإمكان الولايات المتحدة أن تساعد سورينام في تحقيق إمكاناتها الكاملة أو تسمح للصين بالحصول على وضع أقوى.