خلال الأيام الماضية هيمنت على الساحة السياسية والإعلامية تفاصيل اللقاء المثير للجدل بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الأوكراني زيلنسكي الذي يمكن أن نقول عنه نقل الصراع من الحدود الروسية الأوكرانية إلى المكتب البيضاوي. لا يختلف اثنان على أن المشهد كان غريبًا على الأوساط السياسية وغير مسبوق في المكتب البيضاوي، ولكن نحن في نهاية المطاف نتحدث عن أمر كان الرئيس غير التقليدي دونالد ترمب طرفًا فيه. 

أكاد أجزم بأن الكل وجد في سلوك الرئيس الأميركي ونائبه "فظاظة" منقطعة النظير وغير مقبولة من رئاسة دولة تملك مقومات القدرة على توجيه الأحداث، وهم في ذلك صواب في إطار السلوك، ولكن في المقابل، ركز الجميع على المقابلة بتفاصيلها المشوشة، وتجاهلوا رغبة القيادة الأميركية الجديدة في إعادة ترتيب هذا الملف نحو تحقيق سلام حقيقي في منطقة ملتهبة منذ عامين دون أي حلول تذكر من قبل الإدارة الأميركية السابقة، بل إن الإدارة السابقة برئاسة بايدن كانت عنصرًا أساسيًا في تصعيد المواجهة بين روسيا وأوكرانيا.

في تقديري، يرغب الرئيس الأميركي دونالد ترمب في سلام حقيقي في تلك المنطقة، وعلى عكس جميع أعضاء حلف الناتو لا يجد ترمب في روسيا تهديدًا للغرب بقدر ما تشكله الصين، والشاهد على ذلك رغبة روسيا منذ عام 2000 بالاندماج وتعزيز العلاقات مع دول غرب الكرة الأرضية ممثلة في أعضاء حلف الناتو؛ لذلك لن ينفق ترمب دولارًا واحدًا على خطر غير حقيقي وتجاهل خطر يهدد الوجود الأميركي.

وحول موقف حلف الناتو والاتحاد الأوروبي يقول الخبير الدولي جيفري ساكس والذي تم اختياره مرتين ضمن قائمة مجلة التايم لأكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم: "إن الافتقار إلى القيادة في أوروبا أمر كارثي. أوروبا تدخل دوامة التدمير الذاتي، وذعر الاتحاد الأوروبي من تحقيق السلام شيء مخيف. إن عدم حل حلف شمال الأطلسي في عام 1990 كان خطأً كبيرًا، وحان الوقت لإصلاح هذا الخطأ من أجل تحقيق سلام دائم".

الخبير جيفري ساكس أصاب كبد الحقيقة لأن الصراع بين روسيا وأوكرانيا قد يفضي إلى كارثة عالمية، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة للإدارة الأميركية الجديدة، وفي هذا الصدد قالت تولسي جابارد -رئيسة الاستخبارات الوطنية: "كلما طال أمد هذا الصراع، لن يفقد المزيد من الأوكرانيين أرواحهم فحسب، بل تزيد احتمالات هذا التصعيد نحو الحرب العالمية الثالثة... وهذه ليست التكلفة التي يرغب الرئيس ترمب في قبولها".

من أجل تحقيق رغبة العالم خارج نطاق حلف الناتو في الصراع بين روسيا وأوكرانيا تبنى ترمب ثلاثة مسارات لتحقيق السلام بشكل قصري وعاجل وهي كالآتي:

كييف بدون واشنطن قضية خاسرة، هذه حقيقة يدركها العالم ويدركها الشعب الأوكراني أكثر من غيره؛ لذلك ما حدث في المكتب البيضاوي خلال لقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيعيد صياغة المشهد داخل هذا الصراع الذي لم يكن ليكون لو كان صوت العقل وروح السلام حاضرَين من بداية هذه الحرب التي أزهقت الكثير من الأرواح البريئة وشوهت المشهد الدبلوماسي ومزقت روح السلام وأنهكت الاقتصاد العالمي وعطلت مشروعات الاستدامة.