استعرض عدد من قياديي منظومة المياه في المملكة جهودهم المبذولة في تعزيز الابتكار وممكنات الاستدامة لرسم ملامح مستقبل أكثر ازدهارًا، خلال مشاركتهم في جلسات اليوم الثاني لمؤتمر الابتكار في استدامة المياه، المنعقد في جدة، بتنظيم من الهيئة السعودية للمياه، وتميزت الابتكارات التي عرضها عدد من المبدعين السعوديين المشاركين في المؤتمر لتعكس قدرتهم على الإبداع والتطوير في جميع المجالات، وبرز من ضمن المشاركات الـ32 المعروضة من ستة دول، ابتكار للدكتور مصطفى موسى الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الوطنية، والذي رشّح للجائزة بفضل نظامه الأول من نوعه عالميًا لقياس جودة المياه في الوقت الفعلي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وأكد الرئيس التنفيذي لشركة نقل المياه (WTCO) الدكتور طارق النعيم، خلال مشاركته في جلسة بعنوان «إدارة الأصول والبنية التحتية الذكية»، أهمية التحول الرقمي في تحسين كفاءة قطاع المياه، مشيرًا إلى ضرورة تبني تقنيات متطورة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات والأنظمة المركزية، لما لها من دور في تحسين عمليات الصيانة، وخفض التكاليف التشغيلية، وتعزيز استخدام الموارد المائية، متناولاً العمل المستمر في هذا الاتجاه، وفق مستهدفات رؤية المملكة في صناعة مستقبل أكثر تطورًا واستدامة. كما أوضح الرئيس التنفيذي للمؤسسة العامة للري المهندس محمد أبوحيد خلال مشاركته، أن القطاع يواجه تحديات كبرى مع ارتفاع الطلب على المياه، مشددًا على أهمية استخدام الأنظمة الذكية والاستثمار في البنية التحتية المستدامة لتحسين كفاءة الري وترشيد الاستهلاك، بما يدعم تحقيق الاستدامة، مستعرضًا استراتيجية مواجهة هذه التحديات بالابتكار الذي يعد ركيزة مهمة لحلول الاستدامة.

وفي جلسة “الابتكار في قطاع تحلية المياه: استراتيجيات الرؤساء التنفيذيين لحلول المياه والطاقة”، سلط الرئيس التنفيذي لأعمال تحلية المياه المهندس عبدالله الزويد، الضوء على أهمية تقليل الأثر البيئي لعمليات التحلية، من خلال الاعتماد على موارد الطاقة المتجددة، وأشار إلى أن الاستثمار في تقنيات الجيل القادم وتطوير الحلول منخفضة التأثير البيئي، يمثلان ركنًا من أركان تحقيق الاستدامة في القطاع.

في الجلسة ذاتها، شدد الرئيس التنفيذي للشركة السعودية لشراكات المياه المهندس خالد القريشي، على أهمية الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير حلول مبتكرة، تدعم كفاءة استهلاك الطاقة، وإدارة المياه المالحة، مؤكدًا أن تعزيز التعاون مع مراكز الأبحاث يسهم في بناء مستقبل مائي آمن ومستدام. كما أكد المبتكر السعودي، محمد السندي وفريقه بجائزة الأثر في مسار عمليات إنتاج المياه بالتصريف السائل الصفري، أن فوزهم إنجاز يفخر به كل مواطن، وقصة نجاح ملهمه تدعم الشباب في تنمية قدراتهم نحو الإبداع والتطوير في جميع المجالات.

وأوضح السندي أن فكرة المشروع كانت موجودة لديهم في «نيوم» في قطاع المياه، للاستفادة من هدر المياه المحلاة، وتم العمل عليها لمدة سنتين، بحيث يتم استخدام ما يصرف من التحلية كمرجع بدلًا من أن يتم هدره وصرفه في الماء، وهي تقنية يتم فيها فصل البوتاسيوم من خلالها عن باقي الأملاح الموجودة في البحر الناتجة عن تحلية مياه البحر، للاستفادة من البوتاسيوم في قطاعات مختلفة مثل البوتاسيوم كلورايد للسماد، الذي يشكل قيمة سوقية أكبر بكثير من سعر المياه نفسها، بالإضافة إلى الاستفادة من الأملاح في بيعها للقطاعات المستفيدة.

وبين السندي أن ما يميز المشروع هو التكلفة والمساحة الأقل مما يمكنهم من استعمال هذه التقنية في محطات التحلية الموجودة حاليًا دون التأثير على البنية التحتية للمحطات نفسها، مشيرًا إلى أن مشروع «نيوم» كان الداعم الأكبر لفوزهم بعد توفيق الله، حاثًا الشباب السعودي على إبراز ما لديهم من شغف وطموح للوصول إلى نتائج مميزة وابتكارات تسهم في بناء مجتمع واعد.

بدوره قال الدكتور مصطفى موسى الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الوطنية، ومرشّح للجائزة بفضل نظامه الأول من نوعه عالميًا لقياس جودة المياه في الوقت الفعلي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، إن رحلة ابتكاره بدأت خلال دراسته لدرجة الدكتوراه في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست» بقسم الهندسة الكهربائية، حيث انطلق المشروع كبحث علمي هدفه إيجاد حلول للمخاطر الناتجة عن السيول وتحسين جودة المياه التي تتعرض لها شبكات تصريف مياه الأمطار، مشيرًا إلى أنه ومع التقدم في مجال أبحاثه، قام بتطوير نظام ذكي يتيح قياس جودة المياه بشكل لحظي، مما يوفر الوقت والجهد مقارنة بالطرق التقليدية.

وبين أن النظام المبتكر يعتمد على أجهزة حديثة تعمل بتقنية إنترنت الأشياء، إذ يقيس المكونات الكيميائية والفيزيائية للمياه بدقة ومن خلال الذكاء الاصطناعي، يمكن للنظام تحديد نسبة البكتيريا في المياه مما يساعد في معالجة وتحلية المياه بكفاءة أكبر عبر الكشف المبكر عن المشاكل قبل بدء عملية التحلية، لافتًا النظر إلى أن هذا النظام الذي يُسهم في تقليل مخاطر السيول التي تؤثر سلبًا على جودة المياه، يتم استخدامه في سبع أمانات داخل المملكة.

تحديات تواجه الموارد المائية عالمياً

كما شهدت النسخة الثالثة من «مؤتمر الابتكار في استدامة المياه» والمعرض المصاحب لها، إقبالاً لافتاً من الزوّار والمشاركين وطلاب وطالبات الجامعات، حيث ناقش خبراء وباحثو المياه في جلسات اليوم الثاني من المؤتمر، أبرز التحديات المستقبلية التي تواجه الموارد المائية عالمياً، وطرحوا حلولًا تقنية مبتكرة تدعم تحقيق الاستدامة البيئية وتعزز من كفاءة استخدام المياه ومواجهة تحدياتها، كما استعرضت كبرى الشركات والمؤسسات العالمية أحدث التطبيقات التقنية التي تعزز الاستدامة والحلول البيئية المستقبلية، فيما ارتفعت وتيرة المنافسة الإبداعية بين المشاركين في هاكاثون الابتكار “مياهثون” مع اقتراب اختيار الأفكار الأكثر تميزاً، حيث يتسابق 80 مشروعاً ابتكارياً على تحسين كفاءة عمليات تحلية المياه بتقنيات وحلول مبتكرة.

وشهدت الجلسات العلمية المنعقدة بمدينة جدة، تقديم رؤى متقدمة حول مواضيع دمج التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في إدارة الموارد المائية، ودور التقنيات المبتكرة في تقليل الأثر البيئي لعمليات تحلية المياه كخطوة محورية نحو إدارة مستدامة وشاملة للموارد. واستعرض وكيل الرئيس لإدارة الأبحاث والتقنيات الواعدة في الهيئة السعودية للمياه المهندس طارق الغفاري في كلمة افتتاحية بعنوان “الريادة المستقبلية للمياه في المملكة»، قيمة التكامل بين احتياجات المجتمع المحلي والتقنيات الحديثة لتحقيق استدامة شاملة، مُسلطاً الضوء على رؤية المملكة الطموحة في تبني الحلول المبتكرة لمواجهة التحديات المائية، واستكشاف التقنيات بطريقة جديدة وغير معتادة، وأهمية تعزيز التعاون وتحسين التواصل بما يعود بالنفع على الجميع.

كما شهدت الجلسة الأولى مناقشة من طرف كل من الخبراء كالا فايرافامورثي وبوب تايلور، لمستقبل أنظمة المياه ودور الذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءتها التشغيلية، ودعم اتخاذ القرار بناءً على تحليل البيانات الضخمة، في حين تناولت الجلسة الثانية التي قادها الخبير الاستراتيجي عامر بتيكي، “تأثير الذكاء الاصطناعي في استدامة المياه”، واستعرض المشاركون تطبيقات عملية لتحليل البيانات الكبيرة وتقليل الفاقد المائي، إضافة إلى تعزيز كفاءة شبكات توزيع المياه، وعرضت في الجلستين الثالثة والرابعة تجارب مبتكرة حول استخدام الذكاء الاصطناعي في معالجة المياه، تضمنت أمثلة حية على تحسين كفاءة الشبكات وتقليل الهدر، عبر حلول تقنية متطورة.

كما شهد اليوم الثاني للمؤتمر تقديم 11 ورقة عمل لنخبة من الباحثين والمتخصصين، ناقشت مواضيع الابتكار المستدام في إدارة المياه من خلال تطبيقات الاقتصاد الدائري، تقنيات التحلية المتقدمة، الذكاء الاصطناعي، الحلول للتحديات المائية في المناطق القاحلة، النماذج الاقتصادية المستدامة لتمويل المشاريع، والشراكات بين القطاعين العام والخاص؛ لتحسين كفاءة واستدامة أنظمة المياه، وكذلك عقدت عدة ورش عمل متخصصة حول برامج المحاكاة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، واستكشاف مصادر جديدة للمياه.