تأتي زيارة رئيس الوزراء البريطاني إلى المملكة العربية السعودية كحدثٍ بارز يعكس متانة العلاقات التاريخية والشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين، هذه الزيارة التي تعد الأولى لرئيس الوزراء منذ توليه منصبه، تأتي في ظل تطورات إقليمية ودولية كبيرة، مما يجعلها محطة محورية لتعزيز التشاور وتنسيق الجهود بين القيادتين في قضايا الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية.

وتؤكد الزيارة على التزام البلدين بتعميق الشراكة الاستراتيجية، وتعزيز التعاون في جميع المجالات، بما يحقق تطلعاتهما المشتركة، ومع استمرار التحديات الإقليمية والدولية، تبقى المملكة والمملكة المتحدة شريكين رئيسيين يعملان معاً لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة والعالم، والأكيد أن هذه الزيارة ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل محطة جديدة في مسيرة طويلة من التعاون والشراكة بين بلدين تربطهما علاقات تاريخية ومصالح استراتيجية.

علاقات تاريخية قائمة على المصالح المشتركة

ترتبط المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة بعلاقات تاريخية راسخة، تستند إلى المصالح المشتركة والمبادئ التي تعزز العمل المشترك، وقد أظهرت الزيارات المتبادلة بين قيادات البلدين على مر العقود أهمية هذه العلاقة، ودورها في تحقيق أهداف استراتيجية تخدم الطرفين.

وتعكس زيارة رئيس الوزراء البريطاني تقدير حكومته لصاحب السمو الملكي ولي العهد -حفظه الله- ولدور المملكة المحوري سياسياً واقتصادياً على الساحة الدولية، كما تؤكد حرص القيادات في كلا البلدين على التشاور حيال المستجدات الإقليمية والدولية، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة في قطاع غزة ولبنان، والتوترات الإقليمية التي تتطلب تكاتف الجهود لتعزيز أمن واستقرار المنطقة.

القضية الفلسطينية على رأس الأولويات

تأتي القضية الفلسطينية في مقدمة الملفات التي يتشاور بشأنها البلدان خلال هذه الزيارة، ويشترك الجانبان في القلق البالغ إزاء الأوضاع الإنسانية المأساوية في قطاع غزة، نتيجة الاعتداءات المستمرة التي أودت بحياة الآلاف من الأبرياء.

وأكدت المملكة والمملكة المتحدة دعمهما لحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية وفق مبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، هذا النهج يهدف إلى ضمان حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.

إرث من الشراكة الاقتصادية المزدهرة

على الصعيد الاقتصادي، شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، فقد أسفرت زيارة صاحب السمو الملكي ولي العهد إلى المملكة المتحدة في عام 2018م عن إطلاق "مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودي البريطاني"، الذي ساهم في نمو التجارة البينية بنسبة تزيد عن 30 %، لتصل إلى 103 مليارات دولار بحلول عام 2023م.

كما يعد "منتدى الشراكة والأعمال السعودي - البريطاني" منصة أساسية لتعزيز التعاون الاقتصادي، يهدف المنتدى إلى تشجيع زيارات رجال الأعمال بين البلدين، وإزالة العقبات التي تواجه القطاع الخاص، مما يفتح المجال أمام ضخ استثمارات جديدة وتوسيع المشاريع القائمة، وبلغت الاستثمارات البريطانية في السوق السعودية حوالي 16 مليار دولار، مما يجعل المملكة المتحدة ثاني أكبر مستثمر أجنبي في المملكة.

التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا

ويشكل قطاع الطاقة محوراً رئيسياً للتعاون بين البلدين، وتقدر المملكة المتحدة جهود المملكة في دعم استقرار أسواق النفط العالمية، بصفتها مصدراً موثوقاً للطاقة، كما يتطلع الجانبان إلى تعزيز الشراكة في مجالات الطاقة النظيفة، والتقنيات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والطاقة الذرية للاستخدامات السلمية.

وفي هذا السياق، استضافت المملكة "قمة البنية التحتية المستدامة" في يونيو 2024م، التي ركزت على تقنيات المدن الخضراء والطاقة المستدامة، وشكلت القمة نموذجاً للتعاون في إطار رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة.

GREAT Futures تعزيز التعاون الاقتصادي

في مايو 2024م، استضافت المملكة مؤتمر (GREAT Futures)، الذي جمع أكثر من 2200 مشارك من الجانبين السعودي والبريطاني، بما في ذلك 450 من أصحاب الأعمال البريطانيين، خلال المؤتمر، تم توقيع 13 اتفاقية ومناقشة فرص التعاون في 13 مجالاً اقتصادياً، أبرزها السياحة، والثقافة، والتعليم، والاستثمار، ويعد هذا المؤتمر دليلاً واضحاً على الإرادة المشتركة بين البلدين لتعزيز شراكتهما الاقتصادية، وفتح آفاق جديدة للتعاون، بما يتماشى مع تطلعات رؤية المملكة 2030.

روابط ثقافية وتعليمية متينة

تربط المملكة والمملكة المتحدة علاقات تعليمية وثقافية قوية، يبلغ عدد الطلاب السعوديين المبتعثين في الجامعات البريطانية حوالي 14,000 طالب وطالبة، ويمثل هذا الرقم انعكاساً للثقة الكبيرة التي يوليها السعوديون لنظام التعليم البريطاني، وفي خطوة تعزز التعاون التعليمي، تخطط جامعة (ستراثكلايد) لافتتاح فرع لها داخل المملكة بالتعاون مع جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، هذه المبادرة تمثل إضافة نوعية للتعاون الأكاديمي بين البلدين، وتفتح فرصاً جديدة لتبادل المعرفة والخبرات.

التعاون السياحي في أوج ازدهاره

وشهد قطاع السياحة بين البلدين تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، وقد استقبلت المملكة أكثر من 165 ألف زائر بريطاني خلال الربع الأول من العام الجاري 2024م، في إشارة إلى تزايد الإقبال على السياحة في المملكة، كما أسهمت اتفاقية "بيان النوايا المشترك" بين الهيئة السعودية للسياحة ومنظمة (Visit Britain) في تعزيز التعاون السياحي وتبادل الخبرات.