أصدرت إحدى أكبر منصات التعليم عبر الإنترنت في العالم، مؤخراً "تقرير مهارات الوظائف 2025"، الذي كشف عن كيفية إسهام سرعة تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي في إعادة تشكيل القطاعات وديناميكيات الكوادر البشرية العاملة في السعودية والمنطقة. وسلط التقرير الضوء على تركيز المملكة المتزايد على مهارات الأعمال والأمن السيبراني وتحليل البيانات لتلبية متطلبات سوق العمل المتطورة وتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.

واستناداً إلى رؤى مستمدة من خمسة ملايين متعلم من الجهات الحكومية والشركات والجامعات وأكثر من 7000 مؤسسة، حدد التقرير الذكاء الاصطناعي التوليدي باعتباره المهارة الأسرع نمواً على مستوى العالم، حيث زادت معدلات التسجيل بدورات الذكاء الاصطناعي التوليدي بنسبة 866 % على أساس سنوي. ومع توقع نمو الطلب على المتخصصين في الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة بنسبة 40 % على مدى السنوات الأربع المقبلة، يتجه المتعلمون السعوديون إلى أدوات مبتكرة مدعومة بالذكاء الاصطناعي للحفاظ على قدرتهم التنافسية. ويتماشى هذا الاتجاه مع استثمار السعودية 100 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي، بما يدعم تحقيق هدفها في رؤية 2030 والمتمثل في أن تصبح إحدى الدول العالمية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول نهاية العقد.

ومع توقع مساهمة الذكاء الاصطناعي بإضافة 15.7 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030 ودعوة 70 % من الخريجين إلى التدريب على الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن مؤسسات التعليم العالي تحظى بفرصة كبيرة للتوسع في البرامج التي تركز على الذكاء الاصطناعي. وقد شهدت الدورات التدريبية الشائعة في مجالات مثل الرؤية الحاسوبية، وباي تورش PyTorch، وتعلم الآلة تضاعف معدلات التسجيل بها على أساس سنوي. ومع ذلك، ما زالت الفجوة قائمة بين الجنسين، إذ لم تشكل النساء سوى 28 % من الملتحقين بدورات الذكاء الاصطناعي في عام 2024. ويسلط هذا الضوء على الحاجة إلى وجود قدر أكبر من الشمولية من خلال المبادرات التعليمية وسياسات أماكن العمل التي تدعم التنوع في التكنولوجيا.

وقال قيس الزريبي، المدير العام لشركة "كورسيرا" في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا: "يقوم الذكاء الاصطناعي التوليدي بإحداث تحول نوعي في مختلف القطاعات على مستوى العالم، وتحظى المملكة العربية السعودية من خلال طموحاتها في رؤية 2030، بمكانة جيدة لتسخير إمكاناته. ومع قيام التقنيات المتقدمة بإعادة تشكيل وصياغة مشهد العمل في المملكة، فإن اتباع نهج شامل لتطوير وصقل المهارات بات أمراً ملحاً وبالغ الأهمية.

الأمن السيبراني أولوية عالمية

وعلى الصعيد العالمي، صنف التقرير مهارات الأمن السيبراني وإدارة المخاطر من بين أسرع المهارات التقنية نمواً، حيث شهدت الشركات زيادة بنسبة 75 % في التعامل مع الهجمات السيبرانية في الربع الثالث من عام 2024. ويتجلى هذا الاتجاه بشكل خاص في السعودية، حيث واجهت أكثر من 95 % من الشركات حوادث إلكترونية في العام الماضي، ما أدى إلى زيادة الطلب على المهارات في مجال التخفيف من المخاطر، وضمان السلامة، وحماية الأصول.

وحددت 70 % من المؤسسات السعودية، مقارنة بـ 52 % على مستوى العالم، إيجاد المرشحين المناسبين كواحدة من أهم ثلاث استراتيجيات للمواهب في مجال الأمن السيبراني خلال الاثني عشر شهراً المقبلة. ويسلط ذلك الضوء على الحاجة الملحة إلى تعزيز المهارات المستهدفة وتطوير رافد قوي من المتخصصين المهرة في مجال الأمن السيبراني لمواجهة التهديدات السيبرانية المتصاعدة والمتطورة بشكل متزايد.

وتعد أخلاقيات البيانات (data ethics) من بين المهارات الأسرع نمواً على منصة "كورسيرا"، مدفوعة بالحاجة إلى الموظفين الذين يمكنهم إدارة وتحليل البيانات بشكل مسؤول. وعلى الرغم من أهميتها، إلا أن هناك فجوة ملحوظة في الاهتمام بين الطلاب والباحثين عن عمل. وتمثل هذه فرصة كبيرة لمؤسسات التعليم العالي لتعزيز المناهج الدراسية، حيث يحدد 60 % من قادة البيانات حوكمة البيانات باعتبارها مصدر قلق أساسي. ووجد استطلاع أجرته شركة "ديلويت" أن 78 % من المؤسسات تعطي الأولوية لاستخدام الذكاء الاصطناعي "الآمن والمحمي" كمبدأ أخلاقي رئيسي. ومع زيادة الطلب على وظائف البيانات، فإن المتعلمين الذين يصقلون مهاراتهم في أخلاقيات البيانات والحوكمة سيعززون من مكانتهم التنافسية للتوظيف في المستقبل.

وأكد التقرير أيضاً على أهمية المهارات البشرية في مكان العمل. وصُنفت مهارات الحزم (Assertiveness) والتواصل من بين أفضل 10 مهارات في عام 2024. ومع ذلك، ورغم توقع 84 % من المديرين أن يتواصل الموظفون الجدد بشكل فعال ويساهموا في الاجتماعات، فإن 71 % من العاملين من الجيل زد (Gen Z) أفادوا بوجود تحديات في القيام بذلك. وما يثير الاهتمام أن الطلاب الأصغر سناً يعطون الأولوية للمهارات الخضراء، مع ظهور مجالات تركز على الاستدامة مثل إدارة النفايات واستمرارية الأعمال ضمن أفضل 10 مهارات للطلاب. وفي حين تتزايد أهمية المهارات المرتبطة بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، أشار التقرير إلى أن العاملين من الجيل زد (Gen Z) يجب أن يركزوا أيضاً على المهارات البشرية الأساسية لتلبية توقعات أصحاب العمل بشكل أفضل والازدهار في البيئات التي تحث على العمل الجماعي المشترك.