تتوسع وتيرة الحرب التجارية مع قرب استلام الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب منصبه رسمياً في العشرين من يناير المقبل، وأحد المؤشرات على هذا التوجه، توالي صدور القوانين التي تستهدف الاستثمارات الأميركية في المعاشات التقاعدية في الصين، وخلال الأيام الماضية، حيث قامت هيئة معاشات ولاية كانساس ببيع قرابة 300 مليون دولار من الأوراق المالية الصينية بعد إقرار مشروع قانون يلزم الصناديق الحكومية بالتخلص من الاستثمارات في الدول المثيرة للقلق، في نفس الوقت، الذي تعهدت فيه 33 شركة استثمارية خاصة بعدم ضخ أموال في كيانات مقرها الصين وهونج كونج وماكاو، في استجابة سريعة منها لإلحاح حكومي متزايد، تحت ذريعة تهديد الأمن القومي الأميركي.
وأمر قانون ولاية كانساس الخاص بسحب الاستثمارات من الدول المثيرة للقلق، والذي دخل حيز التنفيذ في يوليو، صناديق الولاية بإزالة أي استثمارات موجودة في الصين وهونج كونج وكوبا وإيران وكوريا الشمالية وروسيا وفنزويلا، وخلال الأيام الماضية، باع صندوق تقاعد موظفي القطاع العام في كانساس 12 ورقة مالية من 10 استثمارات في الصين وهونج كونج بقيمة 294 مليون دولار، وهو ما يعادل 1 % من إجمالي استثمارات الصندوق، وفشل الصندوق في التخارج من روسيا لأن أوراقه المالية ليست قيد التداول بسبب العقوبات الغربية على روسيا، وبالرغم من أن الصندوق لم يحدد الشركات التي سحب استثماراته منها، إلا أن تصفية استثماراته في الصين كلف الولاية 635 ألف دولار.
صندوق المعاشات الأميركي
ويعمل صندوق المعاشات الأميركي على تدقيق استثماراته المستقبلية للتأكد من أن البلدان التي يستثمر فيها لن تشمل دولاً مثيرة للقلق، حتى يصبح متوافقًا تمامًا مع القانون، وذلك عبر تغيير معاييرها في محفظتها الاستثمارية الدولية لاستبعاد دول معادية مثل الصين، وعلى خطا ولاية كانساس، أقر عدد متزايد من الولايات الأميركية، بما في ذلك فلوريدا وميسوري وإنديانا، تشريعات للتخلص من الأصول المملوكة للاستثمارات الصينية وسط تصاعد التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم. ووقع حاكم فلوريدا رون دي سانتيس، قانونًا يلزم مجلس الاستثمار بالولاية بالتوقف عن استثمار أي من أصوله البالغة 250 مليار دولار في أي كيانات تمتلك الحكومة الصينية أو الحزب الشيوعي الصيني أو الجيش الصيني أكثر من 50 ٪ منها، كما يتطلب الأمر
أيضًا التخلص من أي استثمارات مباشرة حالية في الصين "لضمان عدم وجود موطئ قدم لخصوم أجانب مثل الصين في ولايتنا"، وتشير البيانات الرسمية إلى أن حوالي 277 مليون دولار من صندوق التقاعد الأساسي في فلوريدا معرض للكيانات المملوكة للدولة الصينية، أي ما يوازي 0.16 % من إجمالي استثمارات الصندوق، ويبلغ أكبر استثمار لها 54 مليون دولار في بنك البناء الصيني، يليه استثماران بقيمة 46 مليون دولار في شركة كويتشو ماوتاي الصينية.
وفي ولاية إنديانا، تخلص صندوق معاشات التقاعد في الولاية، والذي تبلغ قيمته 50 مليار دولار، تخلص من 526 مليون دولار من الاستثمارات المرتبطة بالصين، ولا يزال لدى الصندوق 40 مليون دولار مليون دولار من الاستثمارات المرتبطة بالصين والتي هي معفاة من تفويض سحب الاستثمارات، وفقًا للجنة الإشراف على المعاشات التقاعدية، وقبيل عملية السحب الإلزامي للاستثمارات، فقد كان هناك أكثر من مليار دولار من أموال معاشات التقاعد لمواطني إنديانا تم استثمارها في الصين، وفيما وضع مجلس الاستثمار في فلوريدا مخطط للتخلص من الاستثمارات في الصين بالكامل في غضون عامين، لا يزال صندوق التقاعد في إنديانا يعمل على التخلص من المبلغ المتبقي دون تأثير على الصندوق، والواقع، أن استثمارات صناديق التقاعد الأميركية ساعدت الابتكار التكنولوجي في الصين، الذي ينافس الآن الشركات الأميركية.
من جهته، أصدر حاكم ولاية تكساس الجمهوري جريج أبوت، أمراً إلى الهيئات الحكومية بالتوقف عن الاستثمار في الصين وبيع مثل هذه الأصول في أقرب وقت ممكن، ومن بين الهيئات المتضررة نظام تقاعد المعلمين في تكساس، وبدأ صندوق معاشات التقاعد التابع للحكومة الفيدرالية في استبعاد الأسهم المدرجة في هونج كونج من مؤشرها القياسي، وباسم الأمن القومي، شددت الولايات المتحدة القيود بشكل متزايد على الاستثمارات في الشركات الصينية، وأصدرت إدارة بايدن قواعد، في أكتوبر الماضي، لتقييد الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا الفائقة الصينية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، ورقائق أشباه الموصلات، والحوسبة الكمومية، وتدخل القواعد حيز التنفيذ في الثاني من يناير 2025.
ويعتقد حاكم ولاية تكساس الجمهوري جريج أبوت، أن الأعمال العدائية للحزب الحاكم في الصين زادت من مخاطر استثمارات تكساس في الصين، ودعا المستثمرين للتخلص من أي استثمارات لصناديق الدولة في الصين، وتشمل الوكالات الحكومية في الولاية نظام تقاعد المعلمين في تكساس، الذي كان لديه 210.5 مليار دولار تحت الإدارة الفيدرالية بنهاية أغسطس، ويبلغ حجم تعرض الهيئات الحكومية للأصول المقومة باليوان الصيني والدولار
الهونج كونجى نحو 1.4 مليار دولار، وطلب حاكم الولاية الجمهوري، من شركة إدارة الاستثمار التابعة لجامعة تكساس "UTIMCO"، التي تدير ما يقرب من 80 مليار دولار، سحب استثماراتها من الصين، وتؤثر السياسات الأميركية المناهضة للصين بقوة على معنويات المتداولين في البورصات الصينية.
من جهة أخرى، تعهدت 33 شركة استثمارية خاصة بعدم الاستثمار في كيانات مقرها الصين وهونج كونج، وأكدت هذه الشركات الموقعة على تعهد شهادة رأس المال النظيف أن شركاءها المحدودين ليسوا من الصين وهونج كونج وروسيا وإيران وكوريا الشمالية أو مقيمين فيها، وأنهم لن يقبلوا مستثمرين من هذه الدول، كما تعهدت الصناديق بالامتناع عن الاستثمار في الشركات الناشئة في هذه البلدان، في حين أن هذا الإعلان عبارة عن مبادرة خاصة بقيادة Future Union، وهي منظمة غير ربحية تتعقب الاستثمارات المؤسسية الأميركية في الصين، إلا أنه يحظى أيضاً بدعم مجموعة برلمانية كبيرة، ويأتي هذا الإفصاح في وقت تعمل فيه الحكومة الأميركية بشكل نشط على الحد من الاستثمارات في الصين.
الأمن القومي والازدهار الاقتصادي
ويرى النائب الجمهوري جون مولينار، رئيس لجنة المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والحزب الشيوعي الصيني: "أن الأمن القومي والازدهار الاقتصادي يتعرضان للخطر عندما تستثمر الشركات الأميركية في ألد أعدائنا أو ترحب بمستثمرين مدعومين من الحزب الشيوعي الصيني في مجالس إدارتها. وبدلاً من ذلك، وبفضل هؤلاء المستثمرين الوطنيين، سيكون هناك الآن معيار لشهادة رأس المال النظيف يمكن للأميركيين استخدامه لتقييم استثماراتهم"، وأظهر تقرير شركة Future Union، أن المستثمرين الأميركيين قادوا أو شاركوا في تمويل شركات تكنولوجيا تتخذ من الصين مقراً لها، بما يقارب 2.8 مليار دولار في عام 2023.
وفيما وقعت شركات أميركية على هذا التعهد الطوعي، ومعها شركات بريطانية واسترالية، أحجمت بعض أكبر صناديق الاستثمار الأميركية عن التوقيع، ويرى المؤيدون أن هذا الأمر ضروري في المشهد الجيوسياسي الراهن لأنه يحمي التقنيات الحساسة ويدعم مبادئ الديمقراطية الليبرالية، ويعتقدون أن تقييد الاستثمارات في الدول المعادية يحمي استثماراتهم، وبالرغم من الوثيقة لا تتمتع بأي صلاحيات قانونية، لأنها طوعية، إلا أن صناديق الأسهم الخاصة، التي تتبنى مبدأ رأس المال النظيف سوف تعزز بذلك مبدأ الشفافية والموثوقية بشكل أكبر.
عموماً، فإن هذا الإعلان يتزامن مع الرأي العام الأميركي السائد، والمعادي في مجملة للصين، من جهته، يرى منظرون أن القطاع الخاص الأميركي يجب أن يساهم في جهود الحكومة الفيدرالية للتصدي للصين، لأن الشركات الخاصة حارس الابتكار، وهي التي تقرر من يحق له الاستثمار في الاختراقات المستقبلية، ومن خلال اعتماد تعهد رأس المال النظيف، تستطيع هذه الشركات حماية ليس فقط محافظها الاستثمارية، بل وأيضاً المبادئ الديمقراطية التي تجعل الأسواق الحرة ممكنة، وقد انخفضت حصة المستثمرين الأميركيين في الصين إلى 5 % فقط اعتبارًا من 30 يونيو، من 14% في عام 2021، وهي تتجه مع نهاية عام 2024 نحو الانخفاض السنوي الثالث على التوالي.