طرحت وزارة الاستثمار استبيانًا يدرس مدى الحاجة إلى إنشاء محاكم استثمارية متخصصة، وهي مرحلة جديدة تُعزز البيئة الاستثمارية في المملكة لدعم عجلة التطوير والتحسين، بما يراعي مستهدفات وتطلعات المستثمرين، ويدعم المستهدفات المعتمدة في الاستراتيجية الوطنية للاستثمار و"رؤية 2030"، وكشفت وزارة الاستثمار عن التوجه لإنشاء محاكم استثمارية متخصصة، من خلال الدعوة للمشاركة في الاستبيان الذي أسمته "إلهام"، مشيرة إلى أنها ارتأت حصر المشاركة فيه على عدد من الجهات الحكومية الرئيسية العاملة في عدد من القطاعات الاستراتيجية، معربة عن أملها من الجهات المشاركة الحرص على أن تتم الإجابة على الاستبيان بشكل مفصل من خلال مشاركة أصحاب القرار في الجهة من المختصين والقادرين على عكس وجهة نظر الجهة بشكل واضح ودقيق.
المستثمرون والبيئة القضائية
دعت الوزارة في تعميم لاتحاد الغرف السعودية، القطاع الخاص للمشاركة في الإجابة على الاستبيان "الهام"، حيث يهدف إلى استطلاع آراء الجهات الحكومية بشأن تعاملات المستثمرين مع البيئة القضائية بالمملكة في ظل التطورات التشريعية والقضائية النوعية المتسارعة، مؤكدة، أن الغرض من ذلك دعم عجلة التطوير والتحسين بما يراعي مستهدفات وتطلعات المستثمرين ويدعم المستهدفات الاستثمارية الوطنية المعتمدة في الاستراتيجية الوطنية للاستثمار ومستهدفات رؤية المملكة 2030، ويعزز من مكانة المملكة كوجهة استثمارية رائدة على المستوى الإقليمي والعالمي، وأكدت أن نتائج هذه البيانات ستتم معاملة بسرية داخل الوزارة ولن يتم ربط أي إفادات مقدمة باسم الجهة، وإنما سيتم الاستفادة منها للأغراض الإحصائية للوزارة ولدراساتها المختلفة لتعزيز البيئة الاستثمارية.
وتتخذ وزارة الاستثمار هذه الخطوة لحصر المشاركة في المشروع على عدد من الجهات الحكومية الرئيسة العاملة في القطاعات الاستراتيجية، مطالبةً بتفاصيل دقيقة من الأجهزة العامة والخاصة، من خلال مشاركة أصحاب القرار في كل جهة.
واستطلعت "الرياض" بعض الآراء حول هذا الاستبيان وجاءت مشاركة عدد من المحامين بين مؤيد ومعارض لإنشاء هذه المحاكم التي قد تفاضل بين تعاملات المستثمر الأجنبي والمستثمر السعودي مما يجعل هناك تباين في التعاملات الاستثمارية، حيث أبدى المحامي والمستشار القانوني ماجد قاروب، تحفظه على رغبة وتطلع وزارة الاستثمار في استقصاء الآراء حيال المحاكم الاستثمارية، مرجعا ذلك لتوجه عام في المنظومة القضائية أن تكون كافة الاختصاصات القضائية تحت رحم وزارة العدل في محاكمها المتخصصة مثل التجارية والعمالية والجنائية والعامة والأحوال الشخصية، وكذلك أن يكون القضاء الإداري في المحاكم الإدارية في ديون المظالم، بالإضافة للعمل التدريجي على إحالة أعمال اللجان القضائية إلى رحم وزارة العدل ومحاكمها المتخصصة، لافتًا إلى أن التوجهات من الجهات الحكومية يمثل انحرافًا عن المسار العام المفترض في توحيد المنظومة القضائية، مبيناً، أن مخاطبة وزارة الاستثمار للغرف التجارية السعودية للمشاركة في الاستبيان، يمثل مخاطبة شريحة ليست ذات علاقة بالعمل على اعتبار أن المقصود خدمة المستثمرين الأجانب، وبالتالي بالإمكان الاستفسار حتى يكون الاستبيان وإعطاء الآراء من المختصين وأصحاب الاختصاص، مما يستدعي التوجه للملحقيات التجارية السعودية ولجان الأعمال المشتركة وليس الإرسال لرجال الأعمال السعوديين، قد لا يعنيه الأمر من قريب أو بعيد تجاه إنشاء محكمة متخصصة، وشدد على أهمية دعم القضاء التجاري باعتباره الجهة المعنية بقضايا المستثمرين سواء السعوديين أو غير السعوديين، لافتًا إلى أن الرسالة الأولى المقدمة للمستثمرين الأجانب تتمثل في المعاملة المماثلة للمستثمر السعودي، من خلال التمتع بكافة المزايا، مبدياً عدم اتفاقه مع مبدأ انشاء محاكم استثمارية، متطلعًا لقيام وزارة الاستثمار وكذلك وزارة التجارة بدعم وتطوير العمل في المحاكم التجارية عبر تقديم برامج تدريبية وتطوير وتنظيم ورش عمل مع وزارة العدل والمحاكم والمجلس الأعلى للقضاء، بهدف المعالجة القانونية والقضائية من خلال مركز التحكيم السعودي ومركز التحكيم في دول مجلس التعاون الخليجي كبديل آخر للتحكيم وتعزيز أدوات البديلة لحل المنازعات سواء بالوساطة أو الصلح أو التسوية الودية، مشدداً على أهمية العمل على انتهاج هذه الوسائل، عوضًا من اقتراح إنشاء محاكم جديدة مختصة بالمستثمرين، مما يعني عدم مساواة في التعامل بين المستثمرين المحليين والأجانب، وضرورة أن يكون الجميع على قدم المساواة في جميع المزايا المقدمة في الاقتصاد الوطني ومؤسسات الدولة. وذكر، أن الجميع يتطلع إلى سيادة القانون ونفاذه على الكل ووضوح الإجراءات القضائية، مؤكدًا، عدم وجود أي دواعٍ لاستحداث للجان قضائية جديدة.
وقال المحامي هشام الفرج، بأن المملكة تتبنى نظامًا قضائيًا مزدوجاً وتخصصياً، يعكس النظام القضائي الموحد توجهاً نحو تقليص التعددية داخل الهيكل القضائي من خلال تركيز الاختصاصات، بينما يسعى النظام المزدوج إلى توزيع الاختصاصات على محاكم متخصصة، ما يتيح فصل النزاعات المدنية عن الإدارية والتجارية وغيرها.
وأضاف أن المملكة تتبنى تخصصية المحاكم، حيث نجد محاكم مختصة بقضايا الأسرة (الأحوال الشخصية) وأخرى متخصص بالقضايا العمالية، وأخرى بالقضايا التجارية وأخرى بالنزاعات الإدارية، فلا مانع من ناحية تشريعية وتنظيم قضائي من تخصيص محاكم للقضايا الاستثمارية، وبالمقارنة بالأنظمة المجاورة، فنجد بعض الدول الشقيقة تبنت وجود محكمة استثمارية، ولا شك أن في ذلك دعم للاستثمار الأجنبي والوطني.
بالمقابل أكد المحامي ماجد علي بوخمسين، أنَّ اتجاه وزارة الاستثمار لإنشاء محاكم تتولى النظر في منازعات الاستثمار يتناغم مع إنشاء محاكم متخصصة، مشيراً إلى وجود حاجة ماسة لمثل هذه المحاكم في المملكة نظراً لحجم الاستثمارات المالية والصناعية والعقارية الهائلة التي واكبت الرؤية التي انتهجتها المملكة، حيث تقوم محاكم الاستثمار المتخصصة ابتداءً بتوعية المستثمرين عبر تقديم برامج توعوية قانونية وتثقيف للمستثمرين وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم القانونية، ويلي ذلك صميم عمل المحاكم بقيّد ونظر الدعوى وتولي إجراءات المرافعات الكتابية والشفهية، ومن ثمَّ إصدار الحكم في كافة النزاعات المتعلقة بقضايا الاستثمارات، لافتا إلى أن المحاكم الاستثمارية تهدف إلى توفير حماية قانونية كاملة وآمنة ومستقلة لحل النزاعات بين الأطراف المعنية بالاستثمارات سواء أنْ كانوا أشخاصاً طبيعيين أم شخصيات اعتبارية، في الداخل أو الخارج، مضيفاً، أنَّ المحاكم الاستثمارية تعتبر جزءًا من النظام القضائي الدوّلي وتساهم في تعزيز الثقة في الأنشطة الاستثمارية داخل المملكة على مستوى العالم. وأشار بوخمسين، إلى أنَّ اختصاصات ومهام المحاكم الاستثمارية متعددة الجوانب، حيث تشمل العديد من الجوانب القانونية المتعلقة بحماية وحل النزاعات الاستثمارية، منها حل النزاعات الاستثمارية عبر تسوية النزاعات بين المستثمرين والدولة أو بين المستثمرين أنفسهم، بالإضافة الى تطبيق مبدأ الرقابة القضائية "مراقبة الامتثال" للتأكد من التزام تطبيق الأطراف للقوانين والاتفاقيات الاستثمارية، فضلاً عن الحماية القانونية للمستثمرين وضمان حصولهم على حقوقهم وفقاً لأحكام النظام بكل شفافية عدلية، وكذلك تفسير القوانين عبر تقديم تفسير قانوني للمسائل المتعلقة بمجالات الاستثمار المختلفة، وأيضا فحص مستندات ووثائق الاتفاقيات الدولية بواسطة مراجعة وتقييم الاتفاقيات الدولية للاستثمار وربطها بالنظام والاتفاقيات التي تكون المملكة العربية السعودية طرفاً فيها.
وذكر المحامي بوخمسين، أنَّ إنشاء المحاكم الاستثمارية إضافة نوعية لمحاكم المتخصصة حيث سبق أنْ أنشأت الدولة عدة محاكم متخصصة مثل محاكم المرور والعمل والمحاكم التجارية والمحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض ومحاكم الأحوال الشخصية هذا بالإضافة توفير الإرشاد القانوني عبر تقديم المشورة القانونية للأطراف المتنازعة في مرحلة الصُلح، وكانت المملكة قد أعلنت عن نظام الاستثمار المحدث في أغسطس (آب) السابق، والذي يرتقب دخوله حيّز التنفيذ مطلع عام 2025، وذلك بهدف جذب الاستثمارات العالمية، وتطوير تنافسية بيئتها الاستثمارية، والإسهام في دعم التنوع الاقتصادي، وإيجاد الفرص الوظيفية تماشياً مع «رؤية 2030»، ومستهدفات الاستراتيجية الوطنية.
ويعد نظام الاستثمار المحدث، الذي وافق مجلس الوزراء عليه، من ركائز الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، والتي تسهم في دفع عجلة التنمية وتنويع الاقتصاد المحلي، إذ تستهدف جذب أكثر من 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر سنوياً بحلول عام 2030.
ويشمل نظام الاستثمار المحدث مزايا كثيرة، أبرزها: تعزيز حقوق المستثمرين من خلال المعاملة العادلة وحماية الملكية الفكرية والحرية في إدارة الاستثمارات وتحويل الأموال بسلاسة، والشفافية والوضوح في الإجراءات، بما يتماشى مع الممارسات الرائدة، ويسهم في إيجاد بيئة استثمار موثوقة.
كما يعمل على تخفيف القيود التنظيمية وتيسير الإجراءات؛ إذ يحل التسجيل المبسط مكان رخصة الاستثمار السابقة، ما يمنح المستثمرين حماية وثقة أكبر، ومزيداً من المرونة للقيام بأعمالهم، ويعزز بيئة ديناميكية ومحفزة للاستثمار.
ويوفر نظام الاستثمار المحدث معاملة عادلة دون تمييز بين المستثمرين المحليين والأجانب، في حين يعمل على تسوية النزاعات بكفاءة بالتعاون مع المركز السعودي للتحكيم التجاري وغيره من الجهات.