تدهورت أسواق رأس المال في جنوب شرق آسيا بشكل حاد في عام 2024، حيث انخفض نشاط الاكتتاب العام الأولي إلى أدنى مستوياته في حوالي 10 سنوات، مما يعكس الرياح المعاكسة التي تضرب الأسواق العالمية، والتي تتوزع بين أسعار الفائدة المرتفعة،والأوضاع الجيوسياسية المتقلبة، وضعف ثقة المستثمرين، ومع ذلك، تشير دلائل إلى أن المنطقة الآسيوية ستكون على موعد مع انتعاش الاكتتابات في العام الجديد، بفضل التركيز على الإدراج في البورصات الإقليمية، وزيادة قوائم الأسهم الأصغر حجماً المدفوعة بالتكنولوجيا، وزيادة الاهتمام بالأسهم الخاصة وأفادت شركة ديلويت، أكبر شركة خدمات مهنية في العالم، فيتقريرها الأخير عن سوق رأس المال في جنوب شرق آسيا خلال عام 2024، بانخفاض حاد في سوق الاكتتابات العامة الأولية في المنطقة خلال العام الجاري، حيث جمعت 122 طرحًا عامًا أوليًا 3 مليارات دولار فقط، مقارنة بـ 163 طرحًا عامًا أوليًا و6 مليارات دولار في عام 2023، وبشكل عام، استحوذت ماليزيا على 53% من إجمالي تمويل الاكتتابات العامة الأولية التي تم جمعها في جنوب شرق آسيا في عام 2024، تليها تايلاند بنسبة 26% وإندونيسيا بنسبة 12%. وشهدت إندونيسيا، التي تعد مؤشراً رئيسياً للطروحات العامة الأولية في المنطقة، انخفاضاً بنسبة 90% في رأس المال المجمع في عام 2024، مع انزلاق التمويل إلى 368 مليون دولار من 3.6 مليار دولار في عام 2023.
تحسينات المنازل الماليزية
وبعد أن جمعت ديلويت البيانات، طرحت الوحدة الإندونيسية لسلسلة تحسينات المنازل الماليزية السيد دي واي أسهمها للاكتتاب العام يوم الخميس الماضي، وساعد الطرح العام الأولي الشركة على جمع 4.15 تريليون روبية (257 مليون دولار)، لكن هذا لم يكن كافياً لتعويض الفارق عن عام 2023.
وتعثرت تايلاند، ثاني أكبر سوق للأسهم في جنوب شرق آسيا، بفعل اللوائح الجديدة التي تتطلب تقديم بيانات مالية مدققة على مدار ثلاث سنوات للمرشحين للاكتتاب العام الأولي، حيث انخفضت الأموال المجمعة إلى 756 مليون دولار، بنسبة تراجع 42% من 1.3 مليار دولار في عام 2023، وفي سنغافورة، وعلى الرغم من وجود أربعة طروحات عامة أولية فقط، مقابل ستة في العام الماضي، انخفضت الأموال المجمعة قليلاً فقط إلى 34 مليون دولار، كما سلط هذا الأمر الضوء على صناديق الاستثمار العقاري، والتي كانت تقليديًا قوة سوق الأسهم في سنغافورة، بينما شهدت الفلبين ثلاثة طروحات عامة أولية فقط لكنها جمعت 203 ملايين دولار، بزيادة قوية عن 81 مليون دولار في عام 2023.
وفي حين عانى الآخرون، ظهرت ماليزيا كحالة استثنائية، حيث حققت أفضل أداء لأي سوق في المنطقة، وحققت بورصة ماليزيا أفضل أداء لها في ست سنوات، حيث استضافت 46 طرحًا عامًا أوليًا وجمعت 1.5 مليار دولار اعتبارًا من أكتوبر، أي أكثر من نصف إجمالي عائدات جنوب شرق آسيا، وشهدت ماليزيا تسعة طرح عام أولي آخر بعد تقرير "ديلويت"، كان أبرزها 99 Speed Mart، مشغل سلسلة متاجر التجزئة الذي حقق 574 مليون دولار، مما يجعله أكبر طرح عام أولي في المنطقة لهذا العام.
وينبع نجاح ماليزيا من عاملين رئيسيين: الإصلاحات المحلية والتحول المتعمد نحو الاكتتابات العامة الأولية المحلية الأصغر حجماً، بالإضافة إلى ذلك، أصبحت سوق ACE التابعة لبورصة
ماليزيا، والمصممة للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، بمثابة نقطة جذب لشركات التكنولوجيا والنمو، مع إدراج 39 شركة هذا العام وحده، وبشكل عام، فقد أصبح التركيز على الاكتتابات العامة الأولية الأصغر حجماً والمخصصة لقطاعات محددة، اتجاهاً حاسماً في مختلف أنحاء المنطقة الآسيوية، وفي غياب الإدراجات الضخمة، برزت المنتجات الاستهلاكية والسلع الصناعية والطاقة المتجددة باعتبارها القطاعات الرائدة في هذا العام، حيث شكلت ما يقرب من 70% من إجمالي نشاط الاكتتابات العامة الأولية.
وبالمقارنة، شكلت القوائم العشرة الأولى في العام الماضي 60% من الأموال التي تم جمعها، ويشير اتجاه عام 2024 إلى قوائم أصغر وأكثر مرونة، ومن المتوقع أن ينتعش السوق العام المقبل، مع استقرار البيئة الاقتصادية الكلية، ومن المرجح أن تؤدي تخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة في العديد من المناطق إلى زيادة الاكتتابات العامة الأولية في جنوب شرق آسيا، كما تدخلت صناديق الاستثمار الخاصة لتحل محل الشركات التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام، فظهرت كقوة استقرار للشركات التي تسبق طرح أسهمها للاكتتاب العام، ووفقاً لتقرير صادر عن شركة "جولدن جيت فينتشرز"، وكلية إنسياد لإدارة الأعمال، فإن صناديق الاستثمار الخاصة ورأس المال الاستثماري تدعم بشكل متزايد الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في جنوب شرق آسيا، مما يخلق مجموعة من الشركات التي تستعد للإدراج العام في السنوات المقبلة. ويتوقع التقرير أن تشهد الفترة ما بين 2023 و2025 نحو 700 عملية خروج، بما في ذلك الاكتتابات العامة الأولية والمبيعات التجارية، مدفوعة بشركات التكنولوجيا الرائدة في المنطقة وحقن رأس المال في المراحل المتأخرة، ومن المتوقع أن تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في انتعاش الاكتتابات العامة الأولية في جنوب شرق آسيا، وقد أدى الانفصال بين الولايات المتحدة والصين إلى تسريع الاستثمار في البنية التحتية الرقمية والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية في جميع أنحاء المنطقة، ومن المرجح استمرار صعود الشركات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والشركات الناشئة في مجال الطاقة المتجددة كمحرك رئيسي لنشاط الاكتتابات العامة الأولية في المستقبل، وأصبحت جنوب شرق آسيا منطقة حاسمة في النظام البيئي التكنولوجي العالمي. ومن المتوقع أن تواصل ماليزيا التفوق، مع حوافز رئيسية مثل أوقات الموافقة الأقصر على الاكتتاب العام الأولي، والإعفاءات الضريبية، والانتقال السريع من سوق ACE إلى السوق الرئيسية،
فيما لا تزال سوق الأسهم الماليزية إيجابية، مدفوعة بالعام الثالث على التوالي من الأرباح القوية مع توقع نمو بنسبة 8٪ بنهاية عام 2025، ومن شأن الخطط المحتملة لتقديم برامج لتعزيز عائد المساهمين في الشركات المدرجة، على غرار برامج Value-Up في اليابان وكوريا الجنوبية، أن تعزز اهتمام المستثمرين الأجانب في ماليزيا، من جهة أخرى، تستعد إندونيسيا، التي يحيط بها قدر كبير من عدم اليقين السياسي، للتعافي، وخاصة في الإدراجات المتعلقة بالطاقة والموارد، مع وجود 66 شركة في طور الإعداد، وقد تثمر جهود تايلاند الرامية إلى طرح الاكتتابات العامة الأولية في قطاعي التكنولوجيا والرعاية الصحية، إلى جانب الإصلاحات التنظيمية، على استعادة ثقة المستثمرين في سوق الأسهم.\
شركات التكنولوجيا
وبعد سنوات من التطلع إلى الاكتتابات العامة في الولايات المتحدة، بدأت شركات التكنولوجيا في جنوب شرق آسيا تتحول إلى الإدراج في البورصات المحلية، وسط دعم متزايد من الأسهم الخاصة والإصلاحات المحلية، وفي حين اكتسبت شركات التكنولوجيا الرائدة في جنوب شرق آسيا اعترافًا عالميًا من خلال إدراجها في الولايات المتحدة بعد الوباء، فإن الشركات الأصغر التي تلتها غالبًا ما وجدت صعوبة في تحقيق النجاح، مما شجع الشركات الناشئة في المنطقة على التفكير في الإدراج محليًا. وإذا نظرنا للأمثلة الأخيرة، مثل الإدراج الناجح لشركة ;غِراب القابضة&; (Grab Holdings)، أكبر شركة في جنوب شرق آسيا، في الولايات المتحدة، بعد صفقة اندماج مع شركة ;آلتيميتر غروث كابيتال& (Altimeter Growth Capital) الأميركية بقيمة40 مليار دولار، فقد ولّد ذلك قدرًا كبيرًا من الإثارة في سوق جنوب شرق آسيا، ومع ذلك، إذا لم تكن الشركة كبيرة بما يكفي، فقد تكافح من أجل اكتساب أرض جديدة في خارج المنطقة الآسيوية، وفي حين تنجح الشركات غالبًا في جمع جولتها الأولى من التمويل، فإنها غالبًا ما تواجه تحديات لاحقًا بسبب الاهتمام المحدود أو حجم التداول، ومن المتوقع أن يتباطأ اندفاع شركات جنوب شرق آسيا نحو الإدراج في الولايات المتحدة.
وقد يتيح هذا التحول للبورصات المحلية المزيد من الفرص لتوفيرمنصات للشركات لجمع رأس المال في قطاع التكنولوجيا وغيره،وتعمل البورصات الإقليمية مثل بورصة ماليزيا، وبورصة تايلاند،وبورصة إندونيسيا على وضع نفسها كبدائل أكثر أمانًا، مما يوفرللشركات قدرًا أكبر من القدرة على التنبؤ والوصول إلى المستثمرين المحليين، من جهة أخرى، تريد منصة تداول السيارات المستعملة الماليزية كارسوم التي كانت تتطلع إلى طرح أسهمها في الولايات المتحدة، إلى إدراجها محليًا، وقد يؤدي هذا الاتجاه إلى رفع سوق الاكتتابات العامة الأولية الفاترة في المنطقة.
من جهة أخرى، تمثل عودة الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بطاقة رابحة للعديد من الأسواق، بما في ذلك أسواق الاكتتابات العامة الأولية، إلا أن إحياء سياسات التجارة القائمة على مبدأ أميركا أولا سيؤدي إلى قلب طموحات الاكتتابات العامة الأولية في جنوب شرق آسيا رأسا على عقب، وخلال فترة ولاية ترمب الأولى، أدت الحواجز التجارية والمخاطر الجيوسياسية إلى إحداث شرخ في العلاقة التجارية بين الصين والولايات المتحدة، ومن المرجح استمرار نفس الشيء عندما يستلم ترمب منصبه بشكل رسمي في 20 يناير 2025، وعموماً، فإنه من المتوقع أن تكون التقلبات السمة المميزة للأسواق الآسيوية في العام المقبل.