يشهد الاقتصاد السعودي انتعاشاً على الأصعدة كافة، والتوقعات تشير إلى استمرار الأداء الجيد على المدى المتوسط، مما جعل صندوق النقد والبنك الدولي يرفعان توقعاتهما لنمو اقتصاد المملكة خلال السنوات المقبلة، وهذه التوقعات الإيجابية من المنظمات الدولية جاءت نتيجة طبيعية للنجاحات الكبيرة التي حققتها رؤية 2030 في تنويع القاعدة الاقتصادية والحد من تأثير تقلبات أسعار النفط على الاقتصاد السعودي، هذه الإصلاحات الاقتصادية انعكست إيجاباً على نتائج الشركات في سوق الأسهم السعودية والتي حققت نمواً في الأرباح الصافية بنسبة 28 % في الربع الثالث من هذا العام باستثناء أرامكو، ورغم كل المحفزات التي يشهدها الاقتصاد السعودي إلا أن سوق الأسهم السعودية لم تتفاعل معها واستمرت التداولات اليومية تتراجع حتى وصلت إلى أدنى مستوياتها خلال الجلستين الأخيرتين، وهذا التراجع في قيمة التداولات ليس له مبرر إلا أن السوق ربما تواجه مشكلة في السيولة، الأرقام تظهر لنا أن متوسط التداولات اليومية منذ بداية العام حتى نهاية شهر أبريل كانت عند متوسط 8.75 مليارات ريال، ولكنها تراجعت إلى 6.5 مليارات ريال في شهر مايو بعد تسريب خبر الطرح الثانوي لشركة أرامكو واستمر الأداء الضعيف بعد ذلك وزادت السيولة تراجعاً بعد صفقة بيع صندوق الاستثمارات العامة 2 % من حصته في شركة إس تي سي على مستثمرين من خلال بناء سجل الأوامر المسرع، وبلغ متوسط قيمة التداولات اليومية في شهر ديسمبر حتى نهاية جلسة الأسبوع الماضي في حدود 5 مليارات وهذه الأرقام لا تتناسب أبداً مع سوق تبلغ قيمته السوقية أكثر من 10 تريليونات ريال، ولذلك نعتقد أن الاكتتابات كانت أحد أسباب تراجع السيولة في سوق الأسهم السعودية، بالإضافة إلى الاستمرار في إصدار أدوات دين محلية، أيضا هنالك مؤشر آخر يدعم هذه الافتراضية وهي نسبة تداولات الأجانب في سوق الأسهم السعودية، حيث سجلت في شهر يناير ما نسبته 21 % من إجمالي قيمة التداولات واستمرت في الارتفاع خلال الأشهر اللاحقة حتى وصلت إلى 35 % في الأسبوع المنتهي في يوم 19 ديسمبر وتراجعت نسبة التداولات للمستثمر السعودي من 77 % في شهر يناير إلى 63 % في الأسبوع المنتهي يوم 19 ديسمبر، وهذا التغير وإن كان يعطينا مؤشرا على نقص السيولة المحلية إلا أنه يؤكد أن السوق السعودية أصبحت جاذبة للمستثمرين الأجانب بعد تطوير البيئة التشريعية والإصلاحات التي نفذتها هيئة السوق المالية خلال السنوات الماضية، ويؤكد قدرة الاقتصاد السعودي على اجتذاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية خلال السنوات القادمة، الفترة الحالية تحتاج سوق الأسهم السعودية إلى اتخاذ إجراءات عملية لحل مشكلة السيولة، وأولى خطوات التصحيح هو اعتراف المسؤولين في هيئة السوق المالية وشركة تداول السعودية بنقص السيولة، والحد من الاكتتابات المتتالية والاكتفاء بطرح الشركات ذات العائد الاقتصادي الجيد وزيادة نسبة التخصيص للمستثمرين الأجانب لإدخال سيولة كافية تدعم التداولات وتحسن الأداء وتحافظ على المستثمرين المحليين من التسرب إلى البورصات العالمية والتي أظهرتها بيانات هيئة السوق المالية في تقريرها للربع الثالث وفيها زيادة كبيرة في قيمة تداولات السعوديين في أسواق الأسهم الأميركية في الربع الثالث وصلت إلى 89 مليار ريال مقارنة مع 59 مليار ريال في الربع الثاني وبنسبة نمو بلغت 53 % وهذه الزيادة تعني أن أسواق الأسهم الأميركية بسيولتها العالية ومكاسبها القوية فتحت شهية المستثمرين السعوديين لتوجيه جزء من استثماراتهم إليها على الرغم من أنه خيار استثماري محفوف بالمخاطر، المسار الأفقي للمؤشر يتزامن غالباً مع انخفاض السيولة وغياب استثمارات المؤسسات وما يحدث في حركة السوق السعودية لا يتماشى مع ما يحدث في الأسواق العالمية، والتي حققت أغلبيتها قمماً تاريخية، وحتى أسواق المنطقة شهدت ارتفاعات قوية منها سوق دبي التي ارتفعت بنسبة وصلت إلى 26 % ويتجه المؤشر لتسجيل رابع مكاسب سنوية على التوالي مما يضعه ضمن الأفضل أداءً بين البورصات الخليجية في عام 2024، ولذلك بات من الضروري البحث عن آليات جديدة لدعم السيولة وتفعيل دور المؤسسات والصناديق لتعزيز سيولة السوق، الجلسات الأخيرة بنهاية العام غالباً تشهد صعوداً على الأصول كافة، وعمليات تمركز من جانب شركات إدارة المحافظ، وهي فرصة لرفع معنويات المستثمرين مع بداية العام الجديد.