يخضع الاقتصاد السعودي منذ انطلاق رؤية المملكة 2030 إلى إصلاحات هيكلية ضخمة في المجالات كافة وفق أفضل الممارسات العالمية ولا شك أن هذا الحراك الكبير أثمر عن تحسين البيئة الاستثمارية وزيادة مستوى الإفصاح والشفافية بالإضافة إلى تحسين الأنظمة والبيئة التشريعية والحوكمة، مما أسهم في زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر حتى وصلت الى ما يزيد على 934 مليار ريال حتى نهاية الربع الثالث من عام 2024 بالرغم من تباطؤ صافي التدفقات التي سجلت خلال التسعة أشهر 37 مليار ريال مقارنة مع 60 مليار ريال خلال نفس الفترة من عام 2023 وربما يرجع هذا التباطؤ إلى تراجع إبرام صفقات كبرى خارج مجال الطاقة، صندوق النقد الدولي في تقريره الذي صدر مؤخرا عن المملكة: ذكر أن الإصلاحات الرامية إلى تعزيز جاذبية السعودية للاستثمار الأجنبي تتقدم، مشيداً بزيادة تراخيص الاستثمار الأجنبي وزيادة التراخيص للشركات لإنشاء مقار إقليمية لها في البلاد، وأضاف بأن تعزيز تنمية القطاع الخاص سيتطلب توفير المزيد من الوضوح للمستثمرين وإزالة العوائق المتبقية، وأعلنت وزارة الاستثمار عن عزمها تحديث قوانين الاستثمار الحالية لتعزيز الشفافية وتشجيع المساواة في المعاملة بين المستثمرين المحليين والأجانب، والمتوقع نشر اللائحة التنفيذية الجديدة في بداية العام الحالي 2025، وسبق أن عملت المملكة بالتشاور مع صندوق النقد الدولي على منهجية جديدة لاحتساب إحصاءات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي تهدف إلى تحسين جودة وشفافية بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر، وأكدت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، وهي الجهة التي تُصدر تقرير الاستثمار العالمي، أن المنهجية الجديدة تتبع المعايير الدولية، وفقاً لدليل ميزان المدفوعات الصادر عن صندوق النقد الدولي وتُعد المملكة رائدة في تحديث بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال تحليل القوائم المالية كمصدر للبيانات السنوية، علماً بأن عدداً قليلاً من الدول يتبع هذه المنهجية، الأمر الذي يؤكد تقدم المملكة في المؤشرات الدولية التي حسنت كثيراً صورتها أمام المستثمرين الدوليين، تستهدف رؤية المملكة 2030 زيادة مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر في الناتج المحلي الإجمالي، ليصل إلى 5.7 %، ورفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 40 % إلى 65 % بحلول عام 2030، لتصبح المملكة ضمن أكبر 15 اقتصادا في العالم.

المملكة أصبحت أكثر احتياجاً للاستثمار الأجنبي في ظل الإنفاق الكبير على مشاريع الرؤية، وللمحافظة على الحيز المالي القوي الذي يمكن الحكومة من تمويل إنفاقها وتنفيذ السياسات المالية دون تعريض استقرارها المالي واستدامتها للخطر، والحيز المالي هو الهامش أو المساحة المتاحة للحكومة ضمن ميزانيتها لاستيعاب النفقات الجديدة أو الاستجابة للظروف الاقتصادية غير المتوقعة، ويعد الحيز المالي أمراً بالغ الأهمية للحكومات حتى تتمكن من إدارة اقتصاداتها بشكل فعال، وتلبية الاحتياجات الاجتماعية، وتعزيز التنمية المستدامة، ويتأثر بعوامل مختلفة مثل مصادر الإيرادات، والتزامات الإنفاق، ومستويات الديون، وظروف الاقتصاد الكلي، وبما أن الفرص الاستثمارية الواعدة التي أوجدتها الحكومة السعودية تمكنها من استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة للمساهمة في إنشاء وتمويل المشاريع، حيث تحتاج المملكة خلال السنوات القادمة الى إنفاق كبير جداً، بلغ الإنفاق الرأسمالي في ميزانية الدولة نحو 200 مليار ريال بالإضافة إلى الإنفاق الرأسمالي من صندوق الاستثمارات العامة والذي يصل إلى 150 مليار ريال سنوياً حتى عام 2030 ولكن هذا الإنفاق بالتأكيد ليس كافيا في السنوات القادمة التي تحتاج الى إنفاق أكبر وخصوصاً أن المملكة لديها استحقاقات مهمة، إكسبو الرياض 2030 وكأس العالم 2034، وكذلك تنفيذ استراتيجية السياحة وهذا يحتاج إلى إنفاق كبير لبناء المطارات والملاعب والفنادق والمواصلات، ونعتقد أن الاستثمار الأجنبي خيار لا بد منه للمشاركة في تمويل وإنشاء هذه المشاريع.

السوق المالية السعودية أصبحت الآن أكثر قدرة على استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وأظهرت أرقام تداول بنهاية عام 2024 زيادة قيمة ملكية المستثمرين الأجانب التي وصلت إلى نحو 423 مليار ريال في سوق الأسهم الرئيسة تمثل نحو 11 % من قيمة الأسهم الحرة ونحو 1 مليار ريال في سوق نمو تمثل نحو 3.23 % من الأسهم الحرة، كما أن قيمة تداولات المستثمرين الأجانب ارتفعت نسبتها من 21 % في بداية عام 2024 إلى 35 % في نهاية العام، وهذه الأرقام تؤكد نجاح الجهات التنظيمية وعلى رأسها هيئة السوق المالية في استقطاب واستمرار الاستثمار الأجنبي في النمو حتى بات هو أحد عوامل استقرار السوق المالية، ولذلك من يتابع حركة مؤشرات أسواق الأسهم يُدرك أن السوق السعودية أصبحت أكثر احترافية وتفاعلا من الأحداث والأخبار الاقتصادية بدون ردات فعل مبالغ فيها قد ترفع من مؤشر الخوف لدى المستثمرين.