الحقيقة أنني قررت عدم الخوض في كتابة المقالات هذا الموسم، والفرجة عن بعد بسبب التغيرات التي اعتقد أنها كارثية وتنزع الهوية الرياضية وحتى لا أخوض كثيراً في هذه الأحاديث، فالشق أصبح لا يقبل أي رقعة مهما كان حجمها، والحل هو الكيماوي وبعيداً عن الألغاز، فما يحدث للمنتخب هو أمر مؤسف ويدعو للشفقة في نفس الوقت، خاصة وأن كل البرامج الحوارية واللجان الاستشارية تخوض وتعبث دون حلول جذرية أو وصف دقيق للعلة.
والموضوع باختصار بسيط جداً رغم صعوبته، وهذا ليس لغز بقدر ما هو حقيقة لا تقبل الجدال «فالعلة واضحة لكن حلها لن يأتي به من هم في هذا المشهد، فالمشهد بالمجمل بحاجة للتغيير، فلو تابعنا ببساطة بعض التفاصيل المهمة والفروقات الجذرية بين اللاعب في ناديه وفي المنتخب لوجدنا فرقاً شاسعاً من حيث التعامل والطموح والحصانة والتعاطي الجماهيري.
اللاعب في الأندية الكبرى يسهل وصوله للمنتخب وهذا بحد ذاته «كارثة»، في حين يصعب جداً أن يمثل المنتخب لو كان في أحد أندية الوسط والظل، وهذا تحديداً ساهم في تحويل مهمة مدربي المنتخب لعاطلين عاجزين عن التقاط المواهب التي تم إحباطها ورغم أن الفروقات كبيرة بين الأندية من حيث الضغط الجماهيري والمستوى الفني وتكدس المواهب فيها وحجم البطولات التي تشارك فيها، لكن هذا لا يعني أن هناك لاعبين يصعب استدعاؤهم لأنهم ليسوا في صفوف الأندية الكبرى، في المقابل يصل لاعب الأندية الكبرى للمنتخب بسهولة مقارنة بغيره، ويتحول مع مرور الوقت إلى لاعب بلا طموح وأقل شغفاً وقتالية عما يقدمه مع ناديه الذي يضعه تحت ضغط الإدارة والجماهير والجهاز الفني وإثبات الولاء والانتماء لشعار النادي.
في المنتخب اللاعب في نزهة، قد يصيب وقد يخطئ؛ ليحظى بعدها بحصانه إعلامية يمارسها إعلام ناديه للدفاع عنه وإن كان كبير المتخاذلين، هذه الازدواجية في الطموح والتعاطي خلقت لنا نجوماً مزاجيين، تقاتل من أجل أنديتها وتختفي في المحافل الدولية، مما انعكس على أداء المنتخب المتذبذب وغياب الرؤية حوله، وشح الإنجاز والفقر البطولي الذي طال، لم يعد قميص المنتخب طموح النجوم؛ فالبدائل والدعم والأموال متوفرة، والإعلام مستميت في الدفاع عنهم وتحفيزهم والتغزل بهم لاستعادة تركيزهم مع الأندية وحتى على مستوى التأثر بعد الخروج من البطولات لا تجد الوقع الكبير في نفوس اللاعبين، الذين يجدون المبررات والأسباب التي تساعدهم على عدم الشعور بكوارث الخروج من البطولات هيبة المنتخب اليوم مفقودة وشخصية المسؤولين عنه ضعيفة ولا تعكس ريادة كرتنا ولا تطورها.
وفكرة تدارك هذه الكارثة لم تعد مجرد فكرة مطروحة بل هي مطلب وواجب يجب أن يبدأ من اليوم بإعادة هيكلة الاتحاد السعودي والاستعانة بالأسماء التي تعي معنى منتخب وطن وتملك تجربة وخبرة وقوة تفوق قوة الأندية وحتى نجد شخصية بهذه الصفات، علينا أن نعتزل المشهد «حتى إشعار آخر».