على امتداد المسافة بيننا وبين الآخر تتشكل أنواع مختلفة من التوقعات غير المنتهية والتي تعبر بصورة مرعبة عن مدى حدّيتنا التي لا نلتفت إليها كثيرًا وسط ضجيج المجتمع وفتنة التعلق بالآخر، والتوقعات التي نضعها للآخر هي مجرد تعبير عن حالات النفس وفوراتها المختلفة حيال الآخرين وحيال العالم المحيط بنا وما هي إلا إسقاطات نفسية نلزم بها الآخر دون وعي منا فنضعه داخل إطار نحن صنعناه بخيالنا دون أن يعرف، وكثيرًا ما تتسمم علاقاتنا بالآخر سواء أبا أو أما أو أخا أو أختا أو أصدقاء أو أزواجا بالتوقعات العالية. وعندما نتوقع شيئًا من الآخر، فإننا نصدر حكمًا غير واعٍ عليه، ربما نتوقع من صديق أن يكون مخلصًا أو من زميل عمل أن يكون متعاونًا، أو حتى من غريب أن يكون لطيفًا. هذه الأحكام تُبنى على تجاربنا الشخصية، قراءاتنا، وثقافتنا. ولكن الأدب يعطينا فرصة لنكون أكثر وعيًا بهذه الأحكام فعندما نلتقي بشخص جديد أو نتعرف على الآخرين من حولنا، نحمل معنا دائمًا حقيبة غير مرئية من التوقعات، قد تكون هذه التوقعات مبنية على تجاربنا السابقة، قراءاتنا الأدبية، أو حتى قصص سمعناها من الآخرين.
لكن كيف تشكل التوقعات علاقتنا بالآخرين؟ وكيف يمكن للأدب أن يعكس ويحلل هذه الظاهرة؟ ففي رواية "ابقي معي" للنيجيرية أيوبامي أديبايو تسعى إلى استكشاف توقعات الناس من بعضهم بعضاً، وتوقعات كل شخص عن الآخر، وكيف يرسم له صورة يؤطرها ويزخرفها، يؤثثها ثم يتخيل ويتوقع من الآخر أن يكون هو كما يتصوره، ففي حال لم يكن بالصورة التي رسمها له سيكون الاختلاف صدمة له، فالطبيعة البشرية متغيرة ومتقلبة، هنا نجد أن الأدب غالبًا ما يعكس توقعاتنا تجاه الآخرين، ويجسدها في شخصياته وأحداثه. فعندما يخلق الكاتب شخصية في روايته، يضع توقعاته الخاصة بها: كيف ستتصرف، وما دوافعها، وكيف ستواجه تحديات الحياة. وبالطريقة نفسها، نحن نتوقع سلوك الآخرين في حياتنا اليومية، بناءً على صور متخيلة أو انطباعات أولية. وهو هنا يلعب دور المرآة، يعكس لنا كيف تؤثر هذه التوقعات في تفاعلاتنا وسلوكياتنا. وقد تظهر هذه التوقعات إما على شكل أمل في المثالية أو في صورة تشاؤم مبالغ فيه، وقد ينتهي الأمر بخيبة الأمل أو بالمفاجأة السارة عندما يكشف الآخر عن ذاته الحقيقية.
أيضاً الكثير من الأدباء استغلوا موضوع التوقعات لخلق الدراما والتوتر في قصصهم. على سبيل المثال، قد يبني الكاتب قصة حول شخصية تتوقع الخير في الآخرين فقط لتجد نفسها مضللة، أو العكس: شخصية تتوقع الأسوأ من الآخرين فتتفاجأ بوجود الخير والإخلاص.
التوقعات هنا تكون حافزًا للأحداث، تضع الشخصيات في مواقف يتعين عليها فيها مراجعة أفكارها ومعتقداتها عن العالم والناس، مثل هذه المواقف الأدبية تعلمنا أن التوقعات قد تكون سلاحًا ذا حدين؛ يمكن أن تقودنا إلى خيبات أمل أو إلى اكتشاف جوانب جديدة في الآخرين. فالأدب يفتح لنا أفقًا جديدًا، يعلّمنا أن نرى الإنسان بكل تعقيداته وأن ندرك أن كل شخص لديه قصته الخاصة وظروفه التي تشكله.