ما تزال القوة الثالثة هي القوة الثالثة فعليًا منذ أن كتب الدكتور غازي القصيبي مقدمة لكتاب بنفس عنوان هذا المقال. كانت القوة الثالثة التي تناولها الكتاب تتحدث عن التقنية والعالم الرقمي في شكله الأولي الذي ابتدأت به دخولها إلى العالم وإلى المملكة العربية السعودية على شكل ما كان يسمى بالتلغراف أو اللاسلكي، ولكنه في مفهومه الفعلي يرمز إلى الإعلام الذي أشار إليه المؤلف بدقة عندما قال: «عندما نتحدث اليوم عن «القوة الثالثة» فإنما نعني دائمًا «الإعلام» أو المعلومات بشكل عام».

وعندما نقرأ ما أورده الدكتور علي النجعي وكيل وزارة الإعلام السابق في كتابة «القوة الثالثة» عن دور الإعلام في صورته البدائية، ودوره في تقريب المسافات بين البلاد الموحدة حديثًا، وما قامت به هذه القوة في ربط أطراف المملكة بعضها ببعض، ونشاهد القفزات الهائلة التي حققها الإعلام، ودخول وسائل الإعلام الحديث ومنصات التواصل نزداد يقيناً أن الإعلام سلاح وأداة استثنائية، وأنها من أعظم اختراعات البشرية.

الإعلام ومفهومه ودوره وأهميته، وقل ما تشاء حول هذه القوة التي تغلغلت في المجتمع والتي بدأت محصورة ثم توسعت وانتشرت لتتماهى مع حقيقة الثقافة السائلة التي شملت جميع جوانب الحياة، وهي كأداة تحتاج منا إلى أن نتعامل معها بوعي ذاتي مدرك لدورها الإيجابي في تواصل حضاري فعال، ووعاء معرفي ثري، وموصل ثقافي استثنائي استطاع أن يجعل من العالم محطة اتصال صغيرة يلتقي فيها البشر على اختلاف لغاتهم وثقافاتهم وأفكارهم.

لقد أصبح الإعلام إعلاماً اجتماعياً يلتقي حول مائدته الصغار والكبار، ولم تعد الحدود الفاصلة ممكنة إلا من خلال إدراك ذاتي يجعلنا نميز ونختار، ولم يعد من الممكن عزل هذه القوة عن أي جيل من الأجيال، ولكن تنمية الوعي، وترسيخ ثقافتنا الأصيلة هما بوابة العبور التي يمكن من خلالها فرز ما تقدمه لنا وسائل الإعلام المتدافعة من كل جهة خارج حدودنا على هذه الشاشة الصغيرة لهواتفنا أو أجهزتنا.

ويظل الإعلام قوة ثالثة استطاعت المملكة العربية السعودية أن تسخره في خدمة تطورها وحضورها العالمي، وترسيخ قيمها ومبادئها، وأن يكون الإعلام في جانبه المعرفي المتمثل في أوعية المعلومات المختلفة قوة بناء لعقلية سعودية تستوعب الماضي وتثري الحاضر وتتطلع إلى مستقبل تملؤه المنجزات في كل مجال وعلى كل صعيد.