عامان بالتمام والكمال يفصلان بين الأخضر الذي هزم الأرجنتين أمام أنظار العالم في ستاد لوسيل وقلب الطاولة على أبطال العالم في 5 دقائق، وبين الأخضر الذي ظهر عاجزًا عن إظهار أي ردة فعل أمام المنتخب الإندونيسي في ملعب غيلورا بجاكرتا!.

عامان بين قصة سيرويها الأجداد للأحفاد بكل فخر واعتداد، وبين قصة قد تُحكى للعبرة والاتعاظ والتأكيد على أنَّ المحافظة على القمة أصعب من مجرد الوصول لها، وأنَّ استمرار النجاح يتطلب استمرار العمل الناجح، وأنَّ القرارات الفاشلة، والخطط غير المدروسة، والاتكاء على أمجاد الماضي أمور لن تؤدي بالتأكيد إلا إلى ما آل إليه حال الأخضر اليوم، الحال الذي قلنا إنَّ الإيطالي روبرتو مانشيني لم يكن يمثل فيه سوى الرجل الذي دق المسمار الأخير في نعش جيل كان يعيش أيامه الجميلة الأخيرة، ولم تكن عودة رينارد سوى صدمة كهربائية كان يأمل الكثيرون أن تعيد النبض لذلك القلب الأخضر الذي توقف!.

عاد رينارد معتقدًا أنه سيجد ياسر الشهراني ومحمد كنو وسلمان الفرج وعلي البليهي وعبدالإله المالكي وآخرين غيرهم كما تركهم، أو أنَّه سيجد غيرهم كما وجد هؤلاء حين حضر عام 2019 ووجد جيلًا ناضجًا وجاهزًا اكتسح القارة الصفراء مع الهلال؛ لكنه وجد جلَّ الجيل الذي تركه قد انتهى بفعل العمر أو الإصابات أو الإهمال، وحتى سالم الدوسري آخر حبة في ذلك العنقود الجميل لم يكن متاحًا لرينارد في هذا المنعطف المهم والخطير، وحاول الفرنسي أن يتحدى هذه الحقيقة، وأن يتجاهل هذه السنن الكونية، فاستنجد بالحرس القديم؛ لكنَّه لم يجد حرسه القديم كما تركه، ولم يجد حرسًا جديدًا يسد مكانه!.

مشكلة المنتخب السعودي لم تكن في مانشيني (فقط) حتى يكون الحل في رينارد (فقط)، المتغطرس الإيطالي كان جزءًا من المشكلة، وعودة الفرنسي المقاتل هي جزء من الحل، ولا ينبغي أن نتجاهل بقية المشكلات، ونتغافل عن بقية الحلول!.

في المنتخب السعودي هناك مشكلات آنية لها حلول سريعة تتعلق بمعالجة بعض الأخطاء الفنية على صعيد التشكيل والتكتيك، والعمل وفق قاعدة (الجود من الموجود) لعلاج هذه المشكلات هي مهمة رينارد القادمة، ولعل بطولة كأس الخليج هذه المرة جاءت في توقيت مناسب ليصلح الفرنسي ما يمكن إصلاحه، وليكتشف ما يمكن أن يعمله بعد العودة لسباق التأهل لكأس العالم بدءًا من مواجهة الصين في جدة في 20 رمضان المقبل، وليدرك بشكل أكبر الإمكانات الحقيقية الحالية للمجموعة التي بين يديه مع إضافة عدد من العناصر التي قد تحسن من وضع الأخضر، وتوسع دائرة الخيارات في قائمته، وليتخلص من أسماء لم يعد لديها ما تقدمه لأنديتها حتى تقدمه للمنتخب!.

أمَّا المشكلات التي تحتاج لوقت طويل للحل، والتي تم السكوت عنها وتجاهلها من قبل اتحاد القدم فهي كثيرة؛ لكنَّها تبدأ بإعادة النظر في الأشخاص الذين يرسمون الاستراتيجيات والخطط الفنية في كرتنا السعودية، وإعادة النظر في نوعية الخبرات الأجنبية التي تمت الاستعانة بها من قبل هذا الاتحاد، وفي مقدمتها المغربي ناصر لاركيت الذي قد يكون القائد الحقيقي لرحلة الأخضر التي أقلعت من ستاد لوسيل بالدوحة في نوفمبر 2022 وهبطت هبوطًا تاريخيًا في ستاد غيلورا في جاكرتا في نوفمبر 2024!.