كان أحدهم يصف موقع منزله لصديقه فيقول "خذ شارع الثلاثين جنوبا وبعد نحو 50 مترا فيه حلاق على اليمين لوحته مكسورة، بعد الحلاق اتجه يمين، بعد خامس صيدلية ستجد سيارة خربانة لونها أحمر، المنزل مجاور لها والباب لونه أخضر". كان هذا هو غوغل في زمن ما قبل التقنية.
طرقت التقنية باب أحد سكان الحارة، فتح لها الباب، كانت ضيفا جميلا كريما محملا بالهدايا الثمينة، علم الجيران بزيارة هذا الضيف الكريم فوجهوا له الدعوة وأكرموه وسرعان ما انتشر الخبر في كل أرجاء الحارة، شعر الضيف بالزهو والفرح والرغبة في التوسع وتنويع الهدايا، لم يقابل من يغلق الباب بوجهه، انتشرت أخباره حتى وصلت جميع سكان المدينة، ركب الضيف موجه النجاح وفتحت له الأبواب في كل أنحاء العالم؛ أبواب التعليم والطب والزراعة والهندسة والتجارة والخدمات الاجتماعية وكل شؤون الحياة.
إنه ضيف يستحق دخول الدول بدون تأشيرة ويتسابق الجميع على استقباله وتكريمه مقابل هداياه وتطبيقاته الثمينة.. أصبحت التقنية كالبحر في العمق والاتساع، وكأنها سرقت بيت الشعر الذي يقول:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
نعم سألنا الغواص، أخبرنا أن علينا أن نتعلم السباحة في هذا البحر العميق قوي الأمواج.. قال لنا إن من لا يتعلم السباحة ستجرفه الأمواج إلى رصيف البطالة. الواقع أن البعض يتعامل مع التقنية أفضل بكثير من تعامله مع اللغة العربية وأن الضيف الجديد يفتح باب التوظيف من جهة ويغلقه من جهة أخرى.
يبدو أن الضيف وصل إلى درجة الغرور وزعم أنه أذكى من الإنسان، ولم يمنعه الذكاء والغرور من اختراع روبوت يخدم الإنسان. يا له من ذكاء غبي! أو كرم مبالغ فيه يقدم فيه الضيف الهدايا للإنسان بلا حدود كأنما يفتح له باب الكسل.. ما الحكمة من ربوت يقدم القهوة للإنسان!
بقدرة الله تمكن الإنسان من استخدام التقنية في مجالات كثيرة حققت السرعة والدقة وجودة الخدمات وسهولة الاجراءات.. يتذكر الإنسان في هذا المجال قيمة الاعتدال في كل الأمور، التقنية ضيف جميل تفتح له الأبواب لكنه أحيانا يتمادى في تطوره أو (كرمه) فيكون أحد أسباب البطالة.
نتمنى من الضيف الجميل المكرم أن يعتدل في كرمه ويتوقف عن توزيع الهدايا، ويتوقف عن التطور حتى يتمكن الإنسان من ممارسة الحركة.