في رأيي، العالم يحتاج لمصادر الطاقة النظيفة والنفطية معاً، ولا بد من التنفيذ العاجل لاستخدامات الطاقة النووية في الأغراض السلمية، لأنها بلا انبعاثات وطاقتها هائلة، وبإمكان مفاعل صغير تزويد دولة كاملة بالكهرباء لـ30 عاماً متواصلة، وهو ضروري محلياً، لأن مشروعات المملكة الضخمة سوف تستهلك الكهرباء بكميات كبيرة..

استضافت مدينة باكو الأذربيجانية، المؤتمر الأممي للتغير المناخي في دورته التاسعة والعشرين، والتي اختتمت أعمالها في 22 نوفمبر الجاري، وقد خرج بتعهدات لا تبتعد عما سبقه من مؤتمرات، بما فيها ما طالب به المؤتمر المرجعي في باريس عام 2015، من ضرورة تصفير الانبعاثات الضارة في 2050، وذلك ضمن اتفاقية وقعت عليها 195 دولة من بينها المملكة، والجهود السعودية كبيرة ومؤثرة في هذا الجانب، ولكنها ليست كافية وحدها، خصوصا أن الولايات المتحدة والدول الصناعية، لا تتعامل مع الاتفاقية الفرنسية بنفس جدية السعوديين، وأميركا لا يمثل مواطنيها إلا 2 %، من إجمالي السكان في العالم، إلا إنهم مسؤولون عن 25 % من التلوث العالمي، بخلاف أن الوصول إلى الحياد الكربوني في 25 عاماً، غير ممكن من الناحية العملية، ولو أخذنا الصين والهند كمثال، نجد أن الأولى تحتاج إلى 260 عاما حتى تصل، رغم إنفاقها العالي على الطاقة النظيفة، والثانية يلزمها قرابة 400 عام.

منظمة (أوكسفام) استبقت المؤتمر بتقرير لافت، في أواخر أكتوبر، تكلمت فيه عن الثروة وعلاقتها بالانبعاثات الضارة، وحملت أغنياء العالم مسؤوليتها، فقد قالت إن الانبعاثات الكربونية لـ50 مليارديرا في 90 دقيقة، تساوي ما يصدره الشخص العادي طوال حياته، ويعود السابق إلى ما يملكونه، وأن ما نسبته 40 % من استثمارات مليارديرات أوروبا ملوثة للبيئة، وفي الثلاث مئة عام الماضية، أو ما بين 1750 و2020، وصلت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون إلى ترليون و700 مليون طن، نسبة أميركا الشمالية فيها 29 %، وأوروبا 33 %، والصين 13 %، وأفريقيا 3 %، وأميركا الجنوبية 2 %، ونسب بقية الدول بما فيها المملكة أقل من ذلك.

في 2022، أشار صندوق النقد الدولي، أنه وخلال العشرة أعوام القادمة حتى 2032، ستكلف تغيرات المناخ الدول النامية والفقيرة، والتي لا تحدث تلوثاً عالياً، ما يقدر بحوالي واحد في المئة من نتاجها المحلي الإجمالي، وفي حالة ارتفاع منسوب مياه البحار في أراضيها، بفعل التغيرات المناخية، سترتفع النسبة إلى 20 %، والحلول المالية لمواجهة مشاكل المناخ لا تفعل، إلا إذا عادت بالمنفعة الاقتصادية على الدول الغنية، ولا تقدم كمنح وإنما كقروض مستردة بفوائد.

لهذا السبب وفي 2009، قررت مجموعة السبع تخصيص 100 مليار سنويا، لمساعدة الدول غير القادرة، والسابق يعني أنهم سيدفعون سبع مئة مليار دولار سنوياً، ما بين عامي 2011 و2018، ولكنهم في الواقع لم يقدموا إلا 220 مليارا، ولو افترضنا إقرار تعويضات على الدول الصناعية الغنية، نتيحة لما تحدثه انبعاثاتها في غيرها من الدول، فإنها ستكون ملزمة وبموجب القانون الدولي، بدفع 400 مليار دولار سنويا في 2030، وما يزيد على ترليون و69 مليار دولار في 2050، مع ملاحظة أن الخسائر اليومية لكوارث المناخ، تصل إلى 200 مليون دولار في اليوم الواحد.

بعض خبراء البيئة ينظرون إلى التغيرات المناخية باعتبارها أمورا طبيعية، وأنها تحدث بفعل الأعاصير الشمسية، ووكالة (ناسا) الأميركية نفسها ترجح ما سبق، إلا أن إرجاعها إلى عبثية الإنسان وإهماله مفيد اقتصادياً، وبالأخص في مجال استخدامها كأداة للتحكم في توجهات الدول الاقتصادية، ولدوره الأساسي في إيجاد صناعات جديدة ومربحة، كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والسيارات الكهربائية، والوقود الحيوي، الذي يؤخذ من الفول السوداني وفول الصويا، ويكون بإحراق غابات الأمازون في البرازيل، والغابات في إندونيسيا، وإحلال الزراعات التي تنتج هذا الوقود محلها، ومعها الهيدروجين بلونيه الأخضر والأزرق، والأول مأخوذ من مصادر متجددة كالهواء، بينما الثاني يأتي من إنتاج طاقة نظيفة مصدرها البنزين والغاز، والمملكة تحاول الاستحواذ على ما نسبته 15 %، من الإنتاج العالمي للأخير.

الالتزام بسياسات الطاقة النظيفة، لم يغير شيئا في الواقع، ومن الشواهد، أن الطلب على النفط يزداد، ومن المتوقع ارتفاعه لـ105 ملايين برميل في اليوم عام 2025، وحتى يتراجع استهلاك النفط إلى 100 مليون برميل في 2050، يفترض وجود 700 مليون سيارة كهربائية، تتحرك فعليا في شوارع العالم، والموجودة في العام الجاري لا يتجاوز 45 مليون سيارة، ومشكلتها في بطارياتها التي تحتوي على مواد سامة، ويدخل في تصنيعها معادن تسيطر عليها الصين كالنحاس، ومناجم المعادن المطلوبة موجودة فيها، والإنتاج الصيني محارب في أوروبا وأميركا، وبالتالي ما لم يتم تأمين المعادن الكافية لإنتاج هذه السيارات، أو التخلص من نفايات البطاريات السامة، أو إيجاد بدائل للضرائب المفروضة على النفط في أوروبا، والتي تقدم كدعم حكومي لإنتاجها، وبقيمة 500 مليار دولار سنوياً، فإن المشكلة ستعود بشكل آخر مجدداً، وفي رأيي، العالم يحتاج لمصادر الطاقة النظيفة والنفطية معاً، ولا بد من التنفيذ العاجل لاستخدامات الطاقة النووية في الأغراض السلمية، لأنها بلا انبعاثات وطاقتها هائلة، وبإمكان مفاعل صغير تزويد دولة كاملة بالكهرباء لـ30 عاماً متواصلة، وهو ضروري محلياً، لأن مشاريع المملكة الضخمة، سوف تستهلك الكهرباء بكميات كبيرة.