لا يمكن الحديث عن تاريخ وحاضر المرأة السعودية دون الاستفتاح بذكر سمو الأميرة الراحلة نورة بنت عبدالرحمن بن فيصل آل سعود -رحمها الله-، التي كانت الشقيقة والصديقة والداعمة للملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، الذي انعكست أوجه عبقريته في العديد من المجالات وكان أروعها هو حنانه وعطفه ورقيه، حيث لم تكن المرأة السعودية منذ فجر التأسيس مغيبة عن المشهد السياسي والاجتماعي، بل كانت ذات حضور فعال ومكانة عالية، وقد كانت العزوة التي رسخت في مناداته "أنا أخو نورة"، ولنا في قادتنا -حفظهم الله- أسوة حسنة، وقد رأينا التطور المتسارع الذي رعته حكومتنا الرشيدة في برامج تمكين المرأة وأجد أنه من المهم توثيق هذه المسيرة التي لا تشبه أي سياق ثقافي آخر، فالمرأة السعودية كانت ومازالت سيدة مهابة وذات رأي. ومن القصص الرائعة التي تروى عن "نورة" أنها كانت تسير شؤون النساء وتجد المتعة في الاهتمام بالحياة الفطرية وتمتلك المزارع وتحرص أن تساعد المساكين وتعيلهم، وتحب العلم وترعى حفظة كتاب الله، وقد استمرت النساء على هذا النهج بفضل الله ثم بفضل المنظومة الاجتماعية والأمنية التي نحيا بها.
والمملكة بفضل الله وبرؤيتها الطموحة وبرامجها الحيوية أصبحت أكثر تفاعلا مع العالم، بل تجاوزنا في مستهدفات التمكين الكثير من الدول التي تردد شعارات فارغة، وبالمقابل تجد النساء فيها يعانين بشدة دون سند أو حماية. واليوم نشارك العالم في حملة الـ16 يوما البرتقالية لمناهضة العنف ضد المرأة، والتي اعتمدت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة حينما أطلقت إعلان القضاء على العنف ضد المرأة دون تصويت وذلك في قرارها 48/104 المؤرخ في 20 ديسمبر 1993 تم الاعتراف من خلالها بالحاجة الملحة لتطبيق دعم حقوقي شامل موجه للمرأة من حيث الحقوق والمبادئ المتعلّقة بالمساواة والأمن والحرية والنزاهة والكرامة لجميع البشر، وتأتي مشاركتنا المجتمعية في عدة مسارات أهمها التعريف والتوعية بالأنظمة التي تقدمها الدولة للحماية من الإيذاء، وأيضا تسليط الضوء على توقعات الوعي المجتمعي من مثل هذه البرامج.
إن اللوائح التنفيذية وبرامج الحماية والمنطلقة من مظلة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عديدة، ولعلنا نبدأ بنقاط مختصرة من اللائحة التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء حيث ركزت على تعريف الإساءة سواء كانت جسدية أو جنسية أو نفسية، بجانب توضيح مفاهيم الاستغلال والإهمال، كما تتابع الوزارة وتشرف على دور الإيواء لضمان رعاية الحالة التي تثبت تعرضها للأذى، من المواد المهمة أيضا تحميل المسؤولية لكل من ثبت علمه عن حالة إيذاء ولم يبلغ، بل تتحمل أيضا جهات العمل مسؤوليتها عن التراخي أو التفريط في وقوع الأذى، وتتضاعف العقوبة في حال تكرارها أو وقوعها على الأشخاص من ذوي الإعاقة أو كبار السن والمرأة الحامل. كما تلتزم الوزارة وبشكل مستمر بتقديم برامج التوعية بمفهوم العنف القائم على النوع وتستمر في تقديم الشراكات مع الجهات ذات الصلة، وبالتأكيد أن الحماية مفهوم مجتمعي يستوجب تكاتف الجميع.
من هنا؛ ما الذي يتوقعه المجتمع من الجهات المختصة؟ وما الذي تحتاجه أيضا تلك الجهات للتأكد من وصول الرسالة؟
أجد أن الكثير من التوقعات تعتمد على العمر والنوع والديموغرافية، فمفهوم الفتاة المراهقة عن العنف في حي الملقا بمدينة الرياض مختلف تماما عن مفهوم الفتاة التي تعيش في حي الحميدية بمدينة القريات، أليس كذلك؟ بل قد تجد أن الكثير من المراهقة المتأخرة تبدأ بالظهور لدى بعض السيدات في سن متأخرة لأنها ببساطة كانت داخل دوامة من التوقعات المجتمعية القاهرة، والتي بالغالب تتولد من الثقافات المجتمعية والخطابات والمرويات، ولو أردنا المقارنة بين معنى العنف لدى سيدة تلد في مشفى مجاني ومتدني الخدمات مختلف عمن تلد في مستشفى خاص كبير ومتطور مثلا، أليس كذلك؟ قديما قلت أننا نعيش اليوم في مجتمعات موازية وهذا الأمر يستدعي أن نقيس حجم الفجوة ونقدر مدى خطورتها.
قد تكون فرصة رائعة أيضا في حال وجود شراكة نوعية بالتعاون بين وزارة الموارد البشرية وبين الهيئة العام للإحصاء عبر كوادرهم المتميزة بإجراء مسوحات من نوع متقدم لاستقراء المستقبل وفحص الواقع والمعطيات وأنا على ثقة تامة بأننا سنكون أمام ملفات مهمة ونوعية.
واختتم أننا نعم كلنا "شعب نورة" وجميعنا -نساء ورجالا- تربينا على الأصالة والاحترام للجميع، بل من أروع صور البر تلك المساجد الممتدة التي تحمل أسماء أمهات وسيدات هذا المجتمع، وكفة اللطف ترجح على العنف، ومن تسوّل له نفسه بالتعدي سيجد الرد اللازم.. دمتم بسعادة.