يُعد التحليل السياسي الإعلامي أحد أهم أركان المعالجات الإعلاميّة للأحداث في العصر الحديث، حيث يؤدّي دورًا حيويًا في تفسير الأحداث السياسيّة، واستشراف المستقبل، وتنوير الرأي العام، ومع ذلك، يواجه المحلل السياسي العديد من التحديات التي تتطلب مهارات ومعارف متنوعة للتعامل مع القضايا محل الحوار والمعالجة الإعلاميّة بفعاليّة.

وفي السياق العربي، غالبًا ما يُنظر إلى التحليل السياسي كجزء من الإعلام السياسي، الذي تصنعه السياسة وتحدد مساره. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل الإعلام السياسي في الوطن العربي يقوم بدور التفسير والتنوير، أم أنّه مجرد أداة لتبرير وتسويق مواقف سياسيّة قائمة؟ الإجابة هنا تعتمد على الموضوع والسياق والمنصّة الإعلاميّة المعنية، فبعض القنوات تسعى لاستشراف المستقبل بناءً على تحليل موضوعي، في حين تلتزم أخرى بأجندات سياسيّة تجعل من التحليل السياسي مجرد أداة للدعاية.

والواقع أن القنوات الإخباريّة، سواء العربيّة أو الدوليّة، لا تعمل بمعزل عن تأثير السياسة حتى وإن زعمت أنّها تسعى وراء التحليل الموضوعي المستقل وهي بذلك تدفع المحلل السياسي المتعامل معها نحو الخط السياسي للقناة تدريجيا، ويكفي المتابع الحصيف -فضلًا عن الخبير- بعض التفحّص والتأمل ليعرف يقينا كيف أن معظم هذه الوسائل تتبنى أجندات سياسيّة واضحة، ومثل هذا الوضع يضع المحلل السياسي في موقف صعب، إذ يتعين عليه التوفيق بين ضرورة تقديم تحليل مهني مستقل، ومتطلبات المنصة الإعلاميّة التي يعمل فيها.

وفي سوق إعلامية مفتوحة قلّة من بين من تشاهدهم يمارسون مهنة التحليل السياسي عن دراية ومهارة، إذ كما يبدو لم يعد مهما أن يمتلك المحلل الخبرة أو الخلفيّة العلميّة، ناهيك عن المعرفة البحثيّة بالنظريات السياسيّة وأطر التحليل المختلفة، وحين يجتهد المحلل السياسي المؤهل سيجد أمامة جملة من التحديات التي تتراوح بين قبول القناة أو المحطّة للرأي المهني المستقل، ثم تحدي الوصول إلى مصادر موثوقة، دع عنك صعوبة تجاوز تحدي الاطلاع المستمر كما يفرضه عالم الأخبار المتغير بسرعة.

ثم يأتي في وجه المحلّل السياسي تحدّ فريد في عصر المعلومات ألا وهو القدرة على إبراز الرأي بمهارة وإقناع الجمهور بوجهة نظر قائمة على الحقائق، ثم يأتي تحدّ من النمطيّة والتكرار العرض والأسلوب إذ يندر أن تجد بين المحللين السياسيين من يمتلك مهارة اختيار المصطلح المناسب فضلًا على سك مصطلحات جديدة ليُظهر العمق والقدرة على الابتكار.

وإذا نجا بعض المحللين السياسيين من عقبات المهارة والمعرفة تجد من لم ينج من آفة الانفعال "والزعيق" خاصة عندما يصبح المحلل جزءًا من أدوات الصراع السياسي بدلاً من كونه مرشدًا موضوعيًا، وهناك من بين المحللين من تستخفه حلاوة الروح فيجازف بتقديم معلومات أو توقعات وتحليلات غير مدروسة.

وفي المجمل يمكن القول إنّ التحليل السياسي الإعلامي مهنة تتطلب تناغمًا بين المعرفة العلميّة العميقة، والخبرة العمليّة الدقيقة، والمهارات الاتصاليّة المؤثرة، ورغم العقبات الكثيرة التي يواجهها المحللون السياسيون، فإن تحسين المهارات، وتوسيع قاعدة المصادر، والتمسك بالمرونة والحياديّة تشكل أدوات فعالة للتغلب على هذه التحديات، وفي ظل التغيرات الديناميكيّة للمشهد الإعلامي العربي والدولي، يظل المحلل السياسي مُلزمًا بتقديم رؤى تحليليّة مستقلة وواعية تخدم الجمهور دون الانحياز لأي طرف.

رب كلمة قالت لصاحبها: انطق ودعني انطلق..