كانت بداياتي الصحفية عام 1998، في جريدة «الرياض» مهنة شاقة جسدياً ونفسياً، مهنة البحث عن الحقائق، والمتاعب أيضاً، مهنة ساحرة بكل ما تحمل الكلمة من معان، ويزداد شغفها عندما يتم وضع اسم المحرر على أول أخباره، شعور يفوق الوصف، ويزداد الحلم بريقاً، سنة بعد الأخرى، حينما يدفع إليك القدر مهمة صحفية نادرة الحدوث، خاصة في تلك الأوقات، فلم تكن تمر سوى سنوات أربع، حتى يأتي تكليف مدير التحرير الأستاذ القدير الزميل سليمان العصيمي، لتغطية حدث متفرد في عام 2002، وحسب علمي لم يحظ بهذا الشرف سوى زميل لي في مجلة اليمامة، فكنا على موعد مع التاريخ، لتغطية عملية فصل للتوأم الملتصق السوداني نجلاء ونسيبة المشتركتين في الكبد، التي أُجريت في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض، وتمر الساعات بطيئة محمّلة بالآمال والآلام، وساعات الانتظار القاتلة، وإذا كان هذا شعورنا ونحن –فقط– نغطي الحدث، فما بالنا بأبطاله، أهل الفتاتين الصغيرتين، وفريق الجراحة الدقيقة المعقدة بجميع تخصصاتها، هنا في هذه القاعة لا احتمال لخطأ مهما كان حجمه.
كانت هذه العملية واحدة من أكثر العمليات تعقيدًا وإنسانية في ذلك الوقت، وكانت المتابعة حاضرة بقوة، فكيف نخرج بتغطية خبرية صادقة، ناقلة لكل نفس فيها لكل روح وقلب وعقل، بدءاً من التحضير لها، ثم إجراء الجراحة ومتابعة أحداثها وتطوراتها لحظة بلحظة، وبعدها، خاصة ابتسامة الرضا على وجه رئيس الفريق الجراحي الدكتور عبدالله الربيعة، ولحظات القلق والترقب على محيا أهل الصغيرتين نجلاء ونسيبة، ثم الفرحة الغامرة بعد سماع أن العملية –بفضل الله– تكللت بالنجاح، مشاعر يصعب وصفها، أو تجسيدها في كلمات، والفريق الطبي بأكمله، رغم العناء وساعات العمل المضنية، يخرج سعيداً؛ لتبدأ رحلة متابعة الطفلتين، حتى الإفاقة، والأكثر من ذلك ثقة القيادة في الكوادر الطبية والعلمية، الذين أذهلوا العالم، الذي بدأ يلتفت إلى المملكة وينظر إليها نظرة غير التي رسموها -بإجحاف– من مخيلاتهم، ليس لواقع رصدوه، بل لوجهة نظر يريدون تصديرها عن عالمنا العربي، وخاصة المملكة، وهنا تكمن أهمية التغطية الخبرية لهذا الحدث الذي سيتناقله العالم؛ ليرى صورة المملكة وعلمائها، وإنسانية قادتها منذ فجر التاريخ، واتخاذهم قرارات مصيرية؛ لإنقاذ حياة بشر من مختلف بقاع الدنيا، حتى وصل عدد العمليات لفصل التوائم اليوم أكثر من 60 عملية كللها الله بالنجاح.
هذا النجاح خفف عنا -نحن الصحفيين- وطأة الإرهاق النفسي والجسدي، الذي لازم الجميع من الفرق الطبية المتعددة، التي عملت لساعات طويلة تحت ضغط كبير، إلى الفرق المساندة التي قدمت دعمًا لوجستيًا لا غنى عنه، حتى العمل الصحفي لم يكن سهلاً، فقد امتدت تغطياتنا منذ ساعات الصباح الأولى وحتى وقت متأخر من الليل، متنقلين بين متابعة الحدث وتوثيقه، مع الأخذ في الاعتبار عدم وجود شبكات الإنترنت كما هو الآن، وسهولة نقل الحدث إلى الصحيفة، بل كل نفس كنا ندونه بأقلامنا المفعمة بالفخر.
إن الثناء يجب أن يذهب إلى أهله من القيادة الحكيمة الرشيدة للبلاد، واهتمامها على مر العصور على احتواء أي حالة قابلة للفصل أو حتى للدراسة، لضمان تقديم أفضل رعاية ممكنة، هذا الاهتمام والدعم أسسا لنجاح البرنامج السعودي لعمليات فصل التوائم المتلاصقة، الذي أصبح اليوم نموذجًا عالميًا للعمل الإنساني والطبي.
أما أنا كصحفي شاب يبدأ مسيرته بتوجيه لتغطية مثل هذه العمليات المعقدة أشعر بفخر كبير لأنني كنت جزءًا من هذه الرحلة، من تغطية عملية التوأم نجلاء ونسيبة، إلى متابعة تحوّل المملكة إلى مركز عالمي لفصل التوائم الملتصقة، حيث أرى بوضوح كيف أصبحت المملكة رائدة في المجال الإنساني والطبي، بفضل جهود قيادتها وكفاءات أبنائها، وأجيالها المتعاقبة الذين حملوا الراية، وفي الطريق فرق أخرى تستعد لمسيرة الإنجاز العلمي الطبي والإنساني.