علاقتي بالمترو تاريخية وراسخة، بل إنني أجد فيه أحد الأسباب للسفر، بين باريس ولندن إلى مدريد ثم نيويورك وحتى هليسنكي وموسكو.. كانت رحلات يفرضها العمل الصحفي الذي لا يتوقف، لكنني اتخذت ثقافة المترو وسيلة لاختصار الوقت حتى أنني تعلمت أبجدياته بسرعة.. ويا لسعادتي الآن ومع انطلاقة مترو الرياض.. يبدو أنني لن أتوقف عن امتطاء هذه المركبة الكهربائية.. ليس عبثا ولأجل إضاعة الوقت بل لأن في المترو فوائد مثل ما للسفر من فوائد وإن كان المترو يتفوق بأفضليات أكبر اقتصادية وبيئية واجتماعية والأهم ثقافية أدبية.

ستعشق المترو لأنك بمجرد دخولك إلى بهوه، تجد أن معظم الناس بين متأمل وآخر "يهوجس"، وكثيرون يمسكون الكتب المفتوحة بين أياديهم، ولا تتوقف عيونهم عن القراءة، مستفيدين من الزمن الذي يقطعونه أثناء رحلتهم.. لأكتشف لنفسي أن هذا المترو وسيلة تثقيفية للارتقاء بالقراءة والكتابة.. ناهيك عن راحة البال والاسترخاء والتأمل، حتى أنني لم أستغرب حينما علمت أن كبار الكتاب والأدباء وحتى أرباب الأعمال وجدوا أفضل أفكارهم على القطار أو مترو الأنفاق من فرط راحة نفسية يجدونها على متنهما.

المترو يلغي من فكرك قلق المشوار وأزمته وطوله فهو يمنحك أوقـاتًا ثرية لممارسة الإبداع بعيدًا من الازدحام وضياع الوقت في الطرقات، كما يعطي الذهن فرصة أخرى للتأمل والتساؤل.. ولن ننكر هنا أن قليل من محطات مترو تزدحم في الشرق والغرب حد أن اختناقا تنفسيا يأتي ليمنع كثيرا من الهدوء والتأمل، لكن هنيئا لأهل الرياض وفق التقنية العالية للمترو الخاص بهم فهو قد صمم للهدوء والتأمل وبعيد عن المنغصات.

هنا في الرياض سننعم بكثير من الوقت الذي كان يطير عبثا وبعودته هو ينبئنا بقدرة الإنسان العظيمة في استخدام الطبيعة لتسهيل حياة الإنسان، وهو ما نجده على هذه الأرض التي تسابق الزمن لصناعة جودة حياة لمواطنيها ومقيميها قلّ أن تجدها في بلاد أخرى.. وأجزم أن هذا المترو سيجدد شباب الرياض وسنلحظ ذلك بعد سنته الأولى بعد أن وصلت قبل المترو حد الاختناق والترهل وفي حالة زحام يرثى لها.. مع وقت مهدر طويل.

مترو الرياض يسير تحت الأرض وفوق الأرض وأسوار حماية عظيمة سيغير إلى الأبد معالم الخريطة المرورية للرياض، ويخفض إجمالي عدد السيارات المتحركة بالطرق بما يدعم السهولة المرورية، ويخفض التزاحم على الطرق ويؤدي إلى توفير استهلاك الوقود وتحقيق قيمة مضافة.. الرياض ستنعم بفوائد بيئية مع هذا المترو حيث سيدعم التقليل من كمية الانبعاثات الكربونية الملوثة من وسائل النقل والاستثمار الأمثل لطاقاتنا ومواردنا وأصولنا لمواجهة الضغوط المتزايدة على شبكة النقل والمواصلات داخل العاصمة.

ما نتمناه أن يكون مترو الرياض هو وسيلة النقل الأولى لكافة الساكنين فيها، لكونه الأسرع، الأرخص، والأكثر راحة وأمانا.. ولهذا أنا أحب المترو وركوبه، والدقائق التي أقضيها بداخله تمنحني طاقة وحيوية وتجعلني قريبًا من الناس بتعابيرهم المختلفة واهتماماتهم.. والأهم أن مشروع المترو ليس مجرد وسيلة نقل، بل هو جزء لا يتجزأ من استراتيجية تنمية مستدامة لعاصمتنا الرياض تهدف إلى تحسين جودة الحياة لسكانها، ودعم النمو الاقتصادي، والحفاظ على البيئة.