بين شرفات العقل يتهادى حديث العمق الذي غالباً ما يدور في ثنايا النفس، تضعه بعض المفاهيم على أعتاب الواقع وتغوص في صرامة الحدث.. فنجد أنفسنا في مواجهة أصعب الحقائق وأكثرها إيلاماً في واقعنا.. فتدور أبسط الأسئلة حول مكعباتنا.. دعونا نتأمل حالة الإفلاس لدى كثير منّا..

هو مرهون بما يكسب.. فبإمكانه ألا تتبع الحق لكن عليه ألا يصفه بأنه باطل.. وبإمكانه أن يتجاهل الصحيح لكن عليه ألا ينعته بأنه خطأ.. وبإمكانه أن يكذب لكن لا تقل إنه صدق.. وهو أسير فكره.. فبإمكانه أن يفكر بما يشاء وقتما يشاء بأي دلالة يشاء.

‎ بعض النفوس تضيق بالاتساع وبعضها يتسع بالضيق، وبعض الناس يفتقر بغناه ويغتني بفقره، تلك القناعات المرتبكة لدى الكثير تجعلهم يموتون في حياة ويحيون بممات، أصحيح أن بعض الأمنيات تتآكل؟ يبدو ذلك فالعقل أحياناً يتفوق على قدرته في الحلم فقط، أما اليقظة لا تتآكل فيها الأمنيات.

حين نفتش في كوامننا.. نجد أحياناً أن النفس تبتل بالغفلة، وتغرق بالجهل، وقد تطفو بعدها أضغاث.. مشكلات.. لنرى أين يوصلنا الإبحار فنحكم...

مشكلتنا.. أننا مهووسون بالألقاب ولا نفهم أنها فقط إشارات.. ولا ندرك أن الرجال العظام ليسوا بحاجة إلا لأسمائهم، مشكلتنا.. أننا نظن أن الصحيح دائماً هو شائع.. وأن الشائع دوماً هو الصحيح فتتخالف مساراتنا.. وتتعطل أفهامنا في طرقات اللبس..

مشكلتنا.. أننا نحاول أن نقول القليل بكلمات كثيرة وكثيفة.. ولا نبالي أن نقول الكثير بكلمات قليلة.. فتتشعب حتى أفكارنا..

مشكلتنا.. أننا نعلم أن باستطاعة كل إنسان أن يجرح ونغفل عن أنه ليس باستطاعة كل إنسان أن يداوي.. وبمقدور كل إنسان أن يفرّق ونجهل أنه ليس بمقدور كل إنسان أن يجمع..

مشكلتنا.. أننا ننتظر المجهول وندع انتظار المعلوم.. فيشغلنا الغيب عن الشاهد، ويملأ عقولنا المستقبل فلا نلتفت إلى الحاضر فتضيع بيننا فرص التقدم بالتراجع، ونتراجع ظناً منّا أننا نتقدم.. فترتبك بيننا المنى، وتختلف حولنا الرؤى فلا نكاد نجد الطريق والمنفذ.

مشكلتنا.. أننا نصرُ على ترديد كبائر المجاملات، ونسمع كثير الثناء ومع ذلك لا نطمئن، ولا نرتاح فلا نفقه أن الأفعال البسيطة الصادقة الصغيرة تصنع إحساسا عميقاً، وشعوراً مريحاً..

مشكلتنا.. أننا مع الاستحالة أحياناً نرغب في جعل رضا الناس غاية تدرك، وهدفاً ينشد.. ونهمل إرضاء الحق عز وجل ثم نترك إرضاء ضمائرنا.. مشكلتنا.. أننا نفكر في كيف خسرنا أمراً ما، ولا نفكر في كيف نستعيده بفرصة أخرى.. لذلك نجد الوقت يتفتت بين أيدينا فلا نصل إلى نتيجة.. ونحن بين تكرار ذكر الخسارة وترديد الألم بسببها وإشغال الذهن في ما تم فقده وضياعه.. وبين ندب وندم، وآهات وسقم يضيع التفكير فتتبعثر فرص التعويض. مشكلتنا.. أننا نركز ونقف على نقاط الاختلاف مع الآخر، ونتجاهل نقاط الاتفاق معه.. هنا يتم بتر العلاقة العاقلة، ومحق الفائدة الكبيرة، وقتل التواصل والتفاعل بيننا فتكون النتيجة الإقصاء والافتراق وحمل البغضاء.

مشكلتنا.. أننا نتعلق بتأثير الآخر علينا ولا نحاول العودة إلى ذواتنا التي تخلصنا من هذا التأثير فلا ننتظر أن يبدأ لينتهي بل نبادر لنؤثر، ونبدأ لننتهي نحن.

مشكلتنا.. أننا نهتم بما نحلم به ولا نفكر بكيف نحقق ما لا حلمنا به أساساً فيكون الإنجاز أروع، ويكون الحلم أجمل. مشكلتنا.. أننا نرى ما لدى الغير ونغض الطرف عمّا لدينا، فنعبئ عقولنا بالتفكير فيما ليس لدينا، وفيما ينقصنا، وفيما نحتاجه.. فنتغافل حينها عمّا نملكه، ونتجاهل عمّا بحوزتنا، ونقلل من قيمة ما لدينا. فتكون الأشياء التي نقتنيها في أعيننا دوماً فقيرة القيمة، عديمة الجدوى.

مشكلتنا.. أن الغموض يجذبنا ويسوقنا إلى تتبعه فلا نجد بعده إلا غموضاً أو خيالاً.. فنهمل الوضوح الذي يقودنا إلى مسار الحياة الصحيح ومعرفة الأمور على حقيقتها بتجرد.

مشكلتنا.. أننا ننفصل عن الواقع أحياناً ونعيش خارجه لفترات طويلة فتكون أفكارنا ساعتها واهنة بل ومضحكة.. وحين نعود إلى الواقع طال الزمن أو قصر نجد أن المساحات حولنا ضاقت بنا فتحولت إلى متاهات لم نعرفها قبلاً.

مشكلتنا.. أننا نحاول فهم الحقيقة من أفواه الكاذبين فنتعاطى معها بكل طيبة فلا نفرّق حينها بين حالة الصدق ومشكلة الكذب لتسقط قلوبنا سهوا ونتأثر بجراح الأسى فتختلف خطواتنا وتتبعثر أحاسيسنا.

مشكلتنا.. أننا أحياناً لا نسمع ما يستحق سماعه فيتعلق الجهل في آذاننا، ويغشانا الظل فلا ندري أين نتجه.

مشكلتنا أحياناً تصعب بعض الخيارات أمامنا وتضعف قدرتنا على الاختيار والقرار.. بين أطراف يجمعها التفرق ويفرقها الاجتماع تجد نفسك نقطة ضوء بين الشمس والظل فحتماً تكون في أحرج حالاتك.. أحياناً تقهرك بعض الخيارات بأطرافها.. وتهزمك بعض الأطراف بخياراتها فتضحى كزمن ضاع بين الساعات، ووقت تاه بين التواريخ.