التوفيق، كما مر معنا في المقال السابق، هو هبة من الله وهو أمر - كما وصفه خير الدين ‏الزركلي - "لا قاعدة له ولا مدرسة ولا سابقة ينسج على ‏منوالها"، ولا يمكن أن يوصف الإنسان بالموفق إلا حين يتكرر تيسير الأمور له وتتم أموره بنجاح لافت، لقد حالف التوفيق مؤسس هذا الكيان ‏- طيب الله ثراه - في مشروعه الوطني لبناء دولة ذات قيمة وسيادة.

ومن صور ذلك التي ذكرناها في المقال السابق ظهور البترول عندما كان يبحث عن الماء (أراد الماء فجاءه البترول)، ومن صور التوفيق للملك عبدالعزيز كذلك ما حدث من معجزة أثناء ضم الحجاز، حيث لم يكن لدى الملك عبدالعزيز سوى ثلاثين ‏ألف ربية حينها، وحدث عندما كان مخيما في محلة (الشهداء) بظاهر مكة أن نفد ‏ما لديه من مؤن وأقوات، يقول الزركلي: "ولاح في جموعه شبح الجوع أو كاد".

كان المؤسس مؤمناً بمشروعه الوطني ومتيقناً من نصر الله، لذلك خاطب من حوله قائلاً: المؤن ‏متوفرة في نجد، غير أن الجمال مشيها وئيد.. من شاء منكم الرحيل فليرحل، أما أنا ‏فمقيم، والفرج من عند الله"،‏ هنا جاءه التوفيق والفرج والمخرج: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) "الطلاق: 2 - 3"، فقبل أن يمسي ذلك اليوم، وصلت قافلة من رابغ تحت قيادة أميرها إسماعيل بن مبيريك محملة بمختلف المؤن من التمر والسمن والبر.. إلخ. وكان ‏الشريف حسين قد قتل أخاً لإسماعيل غيلة، ما جعل الأخير يتجه إلى معسكر الملك عبدالعزيز حيث الوفاء والاحترام وإنزال الناس منازلهم، وكان هذا الأمر - وبلا شك - من التوفيق،‏ يقول الزركلي: "عبدالعزيز موفق لا ريب.. وما التوفيق إلا رحمة من الله".