منذ الصغر كنا نحلم بمشاركة أي منتخب عربي لكرة القدم في كأس العالم، كنا يومها نفرح ونزهو حينما يمثلنا العرب أمام أقوى المنتخبات التي عرُفت بسيادتها الكروية، لكن فرحتنا كانت مختلفة جداً يوم شارك منتخبنا السعودي في مونديال كأس العالم بأميركا عام 1994م، كنتُ حينها في المرحلة الابتدائية، وكانت أول مباراةٍ لمنتخبنا السعودي مع المنتخب الهولندي، وسط حضور جماهيري غفير وصل قرابة (خمسين ألف متفرج)، غصّ بهم ملعب (روبرت كينيدي) التذكاري، في العاصمة الأميركية (واشنطن).
كان الوقت فجراً، وأتذكر التفاصيل الصغيرة، واللحظات الدقيقة عندما كان أبي –حفظه الله- يوقظنا من النوم لأمرٍ لم نكن نعتاده، كنا يومها في ليال الصيف، ننام في فناء البيت، جلسنا أمام التلفاز، وكان حماسنا مغايراً، طار معه النوم، ولا سيما أن منتخبنا في تلك المباراة كان يلعب مع منتخب مرشح وصل إلى الدور ربع النهائي فيما أذكر، وقد انتهت تلك المباراة بفوز المنتخب الهولندي (2/1)، لكن منتخبنا كان ندًّا قويّاً، وفي المباراتين التاليتين فاز منتخبنا على المنتخب المغربي الشقيق (2/1)، وتصدر مجموعته يومئذ، ثم فاز بعدها على المنتخب البلجيكي (1/0) بهدف تاريخي لا يُنسى، وصعد بعدها المنتخب السعودي في أجمل حضور ليلعب دور الستة عشر مع المنتخب السويدي الذي فاز عليه (3/1)، وسجل المنتخب السعودي يومها هدفاً جميلاً لا ينسى أيضاً.
هذه الذكريات الجميلة كانت لبنة أولى في سلسلة إنجازات رياضية لمملكتنا الغالية، تبعها مشاركات كثيرة، وحضور مستمر، في أكثر المونديالات المتعاقبة، وكان ختامها المشاركة في مونديال (2022)، والفوز الرائع على حامل اللقب (الأرجنتين) الذي لم يُهزم في هذا المونديال سوى من منتخبنا، غير أن حضور المملكة العربية السعودية في هذا الميدان الرياضي لم يكن فنيّاً فحسب، أي على مستوى كرة القدم، بل كان حضوراً معنوياً مختلفاً، ولا سيما بعد أن أصبحت المملكة طرفاً ثابتاً في كل محفل، لنعيش واحدة من أسرع قصص النمو وأكثرها تطورًا في كرة القدم، وهي قصة تستحق أن تُروَى وتُحكَى ضمن أجمل قصص التحول في العالم.
ويتجلى طموح المملكة العربية السعودية باستضافة نسخة استثنائية من بطولة كأس العالم؛ ليعكس حرص القيادة الحكيمة بفضل الله تعالى، ثم بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –حفظه الله– ومتابعة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد، ورئيس مجلس الوزراء –سلمه الله– وليبرهن هذا الطموح على تطلعات الشعب السعودي، ومجتمع كرة القدم العالمي، الذي تسعى المملكة من خلاله إلى تطوير هذه الرياضة، وتعزيز أثرها الإيجابي محليًا وعالميًا، تأكيداً على التحول نحو مستقبل واعد، وهو ما تؤكده رؤية المملكة الواعدة التي ستكشف عن تاريخها العريق، وإرثها الغني، وثقافتها المتنوعة، وموقعها الإستراتيجي، وقوتها الاقتصادية.
واليوم نحن –من خلال نسخة كأس العالم الاستثنائية- نحلم ونحقق المزيد من النجاح، وسنكون مصدر فرح للعالم، بفضل الله تعالى، ثم بدعم حكومتنا الرشيدة، وكما قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-: «إننا في المملكة ندرك أهمية القطاع الرياضي في تحقيق المزيد من النمو والتطوير، ونتطلع لاستضافة نسخة استثنائية، وغير مسبوقة من بطولة كأس العالم لكرة القدم، من خلال تسخيرِ الإمكانات، والطاقات؛ لإسعاد عشاق كرة القدم حول العالم».