عندما أعلن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن تفاصيل رؤية 2030، لم تكن برامج الرؤية تستهدف الشأن الاقتصادي والشأن الاجتماعي فحسب، وإنما كانت هناك برامج أخرى، تستهدف الشأن الثقافي، من أجل بناء الإنسان السعودي من الداخل، حتى يتمكن من قيادة المجتمع السعودي إلى بر الأمان، وهو ما يفسر اهتمام الدولة -أعزها الله- بدعم وزارة الثقافة، التي حرصت في وقت مبكر جداً من إطلاق الرؤية، على جعل الثقافة نمط حياة، تماشياً مع توجهات الرؤية، الساعية إلى بناء مجتمع حيوي، وبث جوانب الثقافة في الحياة اليومية للمواطن والمقيم على أرض المملكة.
وغير بعيد عن أهداف الرؤية، جاء انطلاق ملتقى القراءة الدولي، في العاصمة الرياض، بحزمة فعاليات كثيرة ومتنوعة، تعكس حرص القيادة الرشيدة على بناء مجتمع مثقف، يتمتع أفراده بالوعي والإدراك، فضلاً عن القدرة على التفكير السليم، وفهم الواقع الذي نعيش فيه، ومن ثم القدرة على التعامل مع هذا الواقع بحكمة، وعزز هذا المشهد، حرص عدد غير قليل من الأدباء والمثقفين والمختصين في مجال القراءة والنشر، على التفاعل مع فعاليات الملتقى.
إيمان الوزارة العميق بجدوى الرؤية وتطلعاتها، دفعها إلى العمل المكثف لإيجاد مبادرات عدة، لها أهداف كثيرة، ليس أولها دعم العادات القرائية، وهي بيوت الثقافة، التي تُعد منصات تعليمية وثقافية تشاركية، وليس آخرها مبادرات لتعزيز ونشر "المكتبة الرقمية"، "مسموع"، "مناول"، و"نجم القراءة"، وتعمل هذه المبادرات بشكل متكامل لخدمة وتعزيز العادات القرائية، والتحول إلى مجتمع قارئ، وهو المسار الحقيقي التي يعزز من مسار التنمية.
الإعداد الجيد لملتقى القراءة الدولي، أثمر عن نجاحه، وأكد لمن يهمه الأمر أن المملكة متعطشة لمثل هذه المناسبات، التي يبحث عنها المواطن، وعندما يجدها يتفاعل معها، ويكفي للتأكيد على ذلك أن أوجد استراتيجيات فعالة، لتعزيز حب القراءة داخل المنزل، وتشجيع ممارستها في المدارس، مع استعراض كيفية توظيف التكنولوجيا الحديثة، لجعل القراءة جزءًا أساسيًا من حياة الأطفال والشباب، وهو ما بدا جلياً في فعاليات الملتقى، مثل الجلسة الحوارية التي حملت عنوان "التواصل الأدبي العالمي: بناء الجسور بين الناشرين والثقافات"، وفيها ناقش المشاركون أهمية الترجمة كوسيلة لتعزيز التفاهم بين الشعوب، وحقوق النشر الدولية كركيزة أساسية لتبادل الثقافات، ونقل الأدب عبر الحدود، وإثراء التنوع الثقافي وتعزيز الحوارالعالمي، إلى جانب جلسة "كيف ننشئ جيلاً يقرأ" التي نجحت في استقطاب الأسر السعودية، التي أدركت ضرورة تكامل الجهود بين الأسرة والمدرسة والمجتمع لإرساء ثقافة القراءة بين الأجيال الناشئة.
النجاح الكبير الذي بدا عليه الملتقى، مع نفاد التذاكر، يؤكد حقيقة مهمة، وهي أن المجتمع السعودي بطبيعته، قارئ ومثقف، وتنقصه -فقط- إقامة المناسبات والملتقيات الثقافية، والشاهد على ذلك، وجود إقبال كبير على بيوت الثقافة، كمفهوم جديد، أحدث حراكاً نشطاً في تداول أوعية المعلومات، وتعكس هذه المؤشرات توجهًا إيجابيًا واعدًا نحو تعزيز ثقافة القراءة في المجتمع السعودي.