من المقرر أن يتولى "دونالد ترمب" منصب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة في 20 يناير 2025، في عودة فريدة واستثنائية لفترة رئاسية ثانية ستمثل انعكاسًا واضحًا لشخصيته وسياسته، ما قد يُحدث تغييرات كبيرة في شؤون السياسة المحلية والدولية. صحيح أن الواقعية السياسية ستضطره إما إلى تليين بعض مواقفه، أو تأجيلها لوقت مناسب، ولكنه شخصية سياسية مسكونة بالمجد، والرغبة في تسجيل حضور رئاسي تاريخي.
على المسرح السياسي الأميركي ستكون من أولى أولوياته إحداث تغييرات كبرى وصارمة في سياسات الهجرة التي تشمل الترحيل الجماعي لمخالفي قوانين الهجرة، وتوظيف الموارد في تأمين الحدود الجنوبية. وتشمل خطته بناء مزيد من الحواجز على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وزيادة تمويل البنية التحتية الأمنية. وهو أيضا وعد بتعديل سياسة التجارة واقترح فرض تعريفات عامة بنسبة 20 % على جميع السلع المستوردة بهدف حماية الصناعات المحلية، مع تخفيف الرقابة الفيدرالية على الصناعات وتطبيق تخفيضات محتملة للشركات التي تُصنع داخل الولايات المتحدة. وهنا قد يضطر إلى فرض معدلات ضريبة أعلى لبعض البلدان مثل الصين، لتقليل العجز التجاري؛ ما سيجعل إدارته في مواجهة عقبة ارتفاع مستوى التضخم، وقد يشعل بعض الحروب التجارية المحتملة، بما في ذلك الطاقة والرعاية الصحية.
وفي مجال تمويل إصلاحاته الداخلية في التعليم والصحة فقد يضطر (كما أعلن) إلى خفض التمويل الفيدرالي للمدارس التي تروج مناهج متعلقة بحرية الهوية الجندرية، وتعديل برامج الصحة. كما سيعمل على إعادة توجيه الأموال بعيداً عن مبادرات الطاقة الخضراء إلى أولويات أخرى مثل الدفاع الوطني.
في السياسة الخارجية يتمحور مبدأ "أميركا أولًا" لترمب حول السيادة الوطنية والحماية الاقتصادية التي قد تسفر عن سياسة خارجية أميركية أكثر عزلة وتقوية التكتلات المنافسة. وفي علاقات الولايات المتحدة بحلف الناتو من المُحتمل مواصلة ترمب نقد الحلف وطريقة جمع موازناته، وربما سيضغط على الحلفاء الأوروبيين نحو المزيد من دعم دفاعاتهم، وتعويض الولايات المتحدة عن المساعدات العسكرية ما قد يؤدي إلى زيادة التماس في العلاقات عبر الأطلسي. وبالطبع سيكون الصراع في أوكرانيا على رأس العلاقات الأميركية الأوروبية في عهده وهو الذي أعرب عن رغبته في التوسط لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وقد يبدأ هنا بتخفيض المساعدات الأميركية لأوكرانيا، وفي الوقت نفسه سيحث الدول الأوروبية على تحمل المزيد من العبء لضمان أمنهم.
أما بخصوص الصين فقد أطلق الوعود بتوسيع التعريفات الجمركية، وكذلك إلغاء وضع الدولة الأكثر تفضيلًا في التجارة؛ وعلى هذا، فمن المرجح أن تكون العلاقات الأميركية بالصين في مواجهة، وأن ترتفع التوترات الاقتصادية بين البلدين وحلفائهما ما لم تستوعب المرونة الصينية هبوب العاصفة الترمبية حتى تمر بعد أربع سنوات. وفي الشرق الأوسط أوضح ترمب أنه سينظر في التحالفات، وسيطرح سياسة متشددة فيما يتعلق بالجماعات المتطرفة، مع حشد المزيد من الضغوط ضد إيران، (التي لو لم تكن مستوعبة لتعقيدات المنطقة) فقد تعيد تشكيل الخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط وجواره. ويحذر خصوم ترمب في هذا الشأن من أن سياساته الخارجية المرتقبة، مثل إعادة طرح "صفقة القرن"، قد تؤدي إلى تفاقم التوترات في الشرق الأوسط بدلًا من تحقيق السلام.
الوعود الانتخابية أحلام يبيعها السياسي للناس باسم الوطن، وعندما يَفرضُ الواقع حضوره يدفع الحالمون معه كل الثمن..