الجدوى الاقتصادية لصناعة الفعاليات في المملكة تمتد إلى ما هو أبعد من الأرقام المباشرة، فهي تُسهم في توفير منصات لتعزيز الاقتصاد المحلي، وتوسيع قاعدة فرص العمل المتعددة للشباب والشابات السعوديين، بالإضافة لكونها وسيلة فعالة لتعزيز الهوية الثقافية السعودية، حيث تتيح الفرصة لعرض التراث المحلي على منصات عالمية، وترسيخ مكانة بلادنا كوجهة ثقافية متميزة..

تُعَدُّ صناعة الفعاليات والمؤتمرات والمعارض من أبرز المحركات الاقتصادية على الصعيد العالمي، وأسهمت على مدار العقود الماضية في تعزيز النمو الاقتصادي لدول كبرى وتوسيع آفاق التعاون بين قطاعات متعددة.

ووفقًا لتقرير صادر عن Mordor Intelligence واستشراف فريقه التحليلي لاتجاهات السوق العالمي خلال الفترة (2024-2029) بلغت قيمة سوق الفعاليات والمعارض حوالي 44.02 مليار دولار أميركي في عام 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى 52.68 مليار دولار في 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 2.88%. يعكس هذا النمو المتسارع أهمية القطاع كركيزة أساسية للاقتصادات الحديثة، فهو لا يقتصر على تنظيم التجمعات والمؤتمرات، بل يمتد ليؤثر بشكل مباشر في قطاعات السياحة، والضيافة، والنقل، والتجزئة.

ويعزز تنظيم الفعاليات الكبرى الإنفاق المحلي ويوفر فرص عمل متنوعة، مما يُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد ورفع كفاءة القطاعات المرتبطة. وبناءً على هذه المعطيات، برزت صناعة الفعاليات كعنصر استراتيجي في سياسات الدول التي تسعى إلى تنويع مصادر دخلها وتحقيق نمو اقتصادي مستدام. في هذا الإطار، تأخذ المملكة زمام المبادرة عبر وضع صناعة الفعاليات في صميم استراتيجيتها الاقتصادية ضمن رؤية 2030، التي جاءت لفتح آفاق اقتصادية جديدة (الأنشطة غير النفطية) وجعلت من هذه الصناعة فرصة ذهبية لإحداث نقلة نوعية في بنية الاقتصاد السعودي.

إن اختيار المملكة لهذا القطاع لم يكن خيارًا عشوائيًا، بل جاء نتيجة قراءة واعية لمستقبل الاقتصاد العالمي وما يحمله من تحديات وفرص، إلى جانب الاستفادة من موقعها الجغرافي المتميز في قلب العالم، ما يجعلها مركزًا محوريًا لتلاقي الشرق والغرب.

أتصور أن اهتمام حكومتنا بصناعة الفعاليات يعكس رؤية متكاملة تركز على تعظيم العوائد الاقتصادية والاجتماعية لهذه الصناعة، فضلًا عن تعزيز حضورها على الساحة العالمية كوجهة جديدة للفعاليات الكبرى، ولعل القمة الدولية للمعارض والمؤتمرات (IMS24)، التي اختتمت أعمالها أواخر الأسبوع الماضي في الرياض بمشاركة أكثر من 1600 من قادة القطاع من 73 دولة، تُعد دليلاً واضحًا على ذلك.

خلال هذه القمة، خرج رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات، الأستاذ فهد الرشيد، بتصريح يحمل الكثير من الدلالات المُستقبلية والرسائل، من تحول المملكة إلى وجهة عالمية جديدة لصناعة الفعاليات، مُستدلًا على استقطاب 3 من أصل 10 من كبرى الشركات العالمية المتخصصة في تنظيم الفعاليات، لتأسيس مقارها الإقليمية فيها، مما يفتح المجال أمام استثمارات واسعة النطاق ونقل للمعرفة والملكية الفكرية، وهذه الشركات هي: «RX Global» و«Messe Munich» و«Clarion»، وأرى أن خطوتهم تأتي للاستفادة من التنامي المتسارع في القطاع في البلاد.

الجدوى الاقتصادية لصناعة الفعاليات في المملكة تمتد إلى ما هو أبعد من الأرقام المباشرة، فهي تُسهم في توفير منصات لتعزيز الاقتصاد المحلي من خلال زيادة الطلب على الخدمات السياحية والفندقية، وتوسيع قاعدة فرص العمل المتعددة للشباب والشابات السعوديين، سواء في الوظائف المباشرة المرتبطة بتنظيم الفعاليات أو غير المباشرة في القطاعات الداعمة. وبالإضافة إلى ذلك، تُعَدُّ الفعاليات الكبرى وسيلة فعالة لتعزيز الهوية الثقافية السعودية، حيث تتيح الفرصة لعرض التراث المحلي على منصات عالمية، وترسيخ مكانة بلادنا كوجهة ثقافية متميزة.

رغم ذلك، تواجه صناعة الفعاليات في المملكة تحديات رئيسة، يأتي على رأسها نقص الكفاءات البشرية المدربة، لكن هذه المشكلة، وإن كانت تحديًا، فإنها تُعد فرصة لتطوير رأس المال البشري من خلال إطلاق برامج تدريبية متخصصة بالتعاون مع الشركاء الدوليين. إلى جانب ذلك، هناك الحاجة إلى تعزيز البنية التحتية المخصصة للمعارض والمؤتمرات، فضلًا عن المنافسة الإقليمية والدولية، وهو ما يستدعي تطوير استراتيجيات مبتكرة لتعزيز التجربة السعودية وخلق قيمة مضافة لا مثيل لها في المنطقة.

من الواضح أن المملكة تمتلك عناصر القوة التي تمكنها من تجاوز هذه التحديات وتحقيق مكانة ريادية في صناعة الفعاليات، واستثمارها في تطوير البنية التحتية واستقطاب الشركات العالمية يعكس التزامًا واضحًا بتعزيز هذا القطاع، وتحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى. يمكن القول: إن صناعة الفعاليات تتجاوز فكرة القطاع الاقتصادي الجديد الذي تسعى الحكومة إلى تطويره، بل هي جزء من رؤية استراتيجية أوسع لإعادة تعريف مكانتنا على الخريطة العالمية.

ومع استمرار الاستثمار في القطاع، وتطوير الكفاءات المحلية، وتعزيز الشراكات الدولية، فإن المملكة لا تعزز فقط نموها الاقتصادي، بل تضع نفسها كقوة عالمية مؤثرة في مستقبل صناعة الفعاليات والمؤتمرات، ويجعل منها لاعبًا أساسيًا في صياغة ملامح اقتصاد الفعاليات على المستوى العالمي.. دمتم بخير.