تنزلق سفن الحاويات الضخمة عبر المياه التي يخفي لمعانها ضباب خفيف، حيث تتراكم أسطحها بأكوام من الحاويات متعددة الألوان بانتظار النزول في ميناء أوكلاند في غرب الولايات المتحدة. في الداخل، ستجد مكونات الصناعة الحديثة، من المعادن النادرة المستخرجة من الصحاري الأفريقية، والإلكترونيات الدقيقة المصنوعة في شرق آسيا، وغيرها من الأدوات والأجهزة الحساسة من أنحاء العالم.
وراء الشبكة التجارية الواسعة، يختفي صراع أعمق على منصة سلاسل الإمداد بين الولايات المتحدة والصين. في هذه المعركة، لا تمثل الحاويات مجرد سلع كغيرها، إنما تحمل ثقل صراع على الطاقة، وأشباه الموصلات والمركبات الكهربائية والموارد النادرة التي تغذي تقنيات المستقبل. يتكشف الاشتباك بصمت، ولا يشكل الاقتصادات فحسب، بل يشكل مستقبل القوة العالمية مع كل شحنة.
لطالما سيطر النظام العالمي بقيادة أميركا على سلاسل الإمداد، لكن مع صعود الصين السريع كقوة تصنيعية فقد تعطلت هذه الهيمنة. عبر مبادرتها "صنع في الصين 2025"، تهدف الصين إلى تعزيز صناعات التقنية الفائقة مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي والتقنيات الخضراء، مما يمثل تحديا مباشرا للقيادة التقنية الأميركية. ردا على ذلك، نفذت الولايات المتحدة سياسات لتقييد وصول الصين إلى التقنيات المتقدمة، بما في ذلك ضوابط تصدير أشباه الموصلات وحظر شركات التقنية الصينية الرئيسة مثل هواوي.
من بين جميع مجالات التوتر بين الدولتين، تمثل صناعة أشباه الموصلات واحدة من أهم نقاط الالتقاء اشتعالا، تكون أشباه الموصلات اليوم حجر زاوية للتقنية الحديثة، حيث تعمل على تشغيل كل شيء من الهواتف الذكية إلى الأنظمة العسكرية، ورغم أن أميركا هيمنت على هذه الصناعة تاريخيا وما زالت، إلا إن استثمار الصين الضخم في إنتاج الرقائق محليا يهدد هذه الهيمنة.
على جانب آخر، في المعادن الحرجة مثل العناصر الأرضية النادرة، تتكشف لنا منطقة أخرى للصراع، فمع هيمنة الصين على العرض العالمي لهذه الموارد الضرورية لأنظمة الطاقة المتجددة والإلكترونيات وتقنيات الدفاع، تجد أميركا نفسها مضطرة إلى الحد من الاعتماد على المعادن الصينية من خلال تعزيز الشراكات مع موردين بديلين مثل أستراليا وكندا مع الاستثمار في مبادرات التعدين وإعادة التدوير المحلية.
يقابل القيود التي تفرضها أميركا على تصدير التقنيات الحديثة، عقوبات تفرضها الصين على المعادن الحرجة، ففي فترة الانتخابات الأميركية، انكشفت شركة سكايدو المصنعة الأكبر لطائرات الدرون عندما فرضت السلطات الصينية عقوبات قطعت بموجبها إمدادات البطاريات الأساسية التي تعتمدها الشركة، كانت الرسالة واضحة، من حيث العقوبات، كلانا يمكن أن يلعب اللعبة نفسها.
في نهاية المطاف، فإن حرب سلسلة الإمداد بين أميركا والصين ليست مجرد صراع اقتصادي ولكنها منافسة على هيكل النظام العالمي. ستحدد النتيجة ما إذا كانت سلاسل الإمداد العالمية لا تزال متكاملة أو متشعبة في مجالات نفوذ المتنافسين، وإعادة تشكيل العلاقات الدولية والازدهار العالمي.