نلاحظ في الآونة الأخيرة خفوت صوت المتحدثين الرسميين وتراجع ظهورهم مع تزايد الاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي كوسيلة رئيسة للنشر والتواصل مع الجمهور، ما يثير تساؤلات حول وظيفة المتحدث الرسمي وهل لا تزال هناك حاجة لها أم أن حسابات التواصل باتت كافية للتواصل مع الجمهور؟
يرى البعض أن الحسابات الرسمية توفر وسيلة مباشرة وسريعة لنشر الأخبار والتحديثات والتفاعل مع الجمهور، مع قدرتها على الوصول إلى شريحة واسعة من الجمهور بجهد وتكلفة منخفضين، بينما يرى آخرون أن هذه الأدوات لا تلغي أهمية وظيفة المتحدث الرسمي التي تتجاوز نشر المعلومة، فالمتحدث الرسمي ليس مجرد وسيلة لتقديم الأخبار، بل هو جسر حيوي للتواصل مع الجمهور والإعلام، خصوصًا في الأوقات التي تتطلب تفسيرًا دقيقًا للقضايا المعقدة أو الطارئة؛ ففي الوقت الذي تقدم فيه منصات التواصل الاجتماعي قوالب صحفية جاهزة، يحتاج الجمهور أحيانًا إلى شرح أعمق وتواصل إنساني لا يمكن تحقيقه من خلال المنشورات "المعلبة"، حيث يتمتع المتحدث الرسمي بمرونة عالية في التفاعل المباشر مع وسائل الإعلام، ما يدعم وجهة نظر ومصداقية المؤسسة التي يمثلها.
كما يعد المتحدث الرسمي عنصرًا أساسيًا في تشكيل الصورة الذهنية للمؤسسة، والتعامل مع الطوارئ، والتواصل مع وسائل الإعلام والصحافيين والجمهور بشكل عام، ولا يمكن تعويض أدواره في التعامل مع الجمهور، خصوصًا في حالة مواجهة الشائعات التي تنتشر بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تتطلب تفاعلًا فوريًا ودقيقًا.
كما أنه ورغم التطورات التقنية التي وفرت أدوات جديدة للتواصل، يبقى للمتحدث الرسمي ميزة التواصل الإنساني، فالجمهور لا يبحث دائمًا عن المعلومة فقط، بل يحتاج إلى خطاب يحمل بُعدًا إنسانيًا يطمئنه ويعزز من ثقته بالمؤسسة التي يمثلها المتحدث، وهذا البُعد الإنساني يبرز بشكل خاص في الأزمات، حيث يتطلب الأمر طمأنة الجمهور وإظهار التعاطف، وهي مهارات لا يمكن استبدالها بأدوات تقنية أو قوالب جاهزة.
نقطة أخيرة؛ علينا كإعلاميين تفهّم الأبعاد القانونية والإدارية التي تحكم وظيفة المتحدث الرسمي؛ فهو ملزم بالتأكد من صحة المعلومات التي يقدمها لتجنب نشر معلومات مغلوطة قد تفاقم الأزمة.. ففي بعض الحالات، يتعامل الصحافيون مع المتحدث الرسمي كأنه "مراسلهم" الذي يتوجب عليه تقديم المعلومات بشكل فوري، متجاهلين القيود التي تحكم وظيفته.