منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مهامه وأمانة الحكم، وهو يؤكد على أن أول اهتماماته التي وضعها على طاولة التنفيذ، هي ملف الإسكان في المملكة، وهذا الاهتمام ليس جديدًا في المملكة، لكنه مع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أخذ منحى آخر في التنفيذ بشكل أسرع وأكثر شمولية، وبالتالي أصبح ملف الإسكان حاضرًا وبقوة في كل برامج الحكومة، وتبلور واتضح هذا الاهتمام مع انطلاق رؤية المملكة 2030 في العام 2016، والتي جعلت من ملف الإسكان إحدى ركائز برنامج جودة الحياة للمواطن السعودي، وربطت ملف الإسكان ببقية الملفات التي تعنى بخدمة المواطن وتحسين معيشته وتوفير حياة أكثر ازدهارًا وتقدمًا.

شهدت المملكة منذ العام 2016 عدة برامج واستراتيجيات لمعالجة ملف الإسكان، حتى وصلنا إلى مرحلة نمو وازدهار في قطاع العقار السكني، وتطور مجال الاستثمار والتطوير العقاري، وبقية ملفات برامج جودة الحياة ساهمت في نمو قطاع الإسكان في المملكة، خاصة ونحن نتحدث عن ملفات الطرق والمواصلات، توفر فرص العمل وارتفاع مستوى الدخل الفردي في المملكة، هذا كله جعل من النمو في السوق السكني العقاري، نموا مطردا، مع الأخذ في عين الاعتبار أن الحكومة تشرف على كل البرامج والمبادرات، وتتدخل في الوقت المناسب لتصويب أي خلل أو عيب قد يطرأ فورًا أو مستقبلًا.

اليوم ومع نهاية العام 2024، نهاية العام الثامن من انطلاق الرؤية، نستطيع القول إن ملف الإسكان بدأ يتشكل ويظهر بصورة أكثر وضوحا، لا يمكن اليوم أن نقول هناك أزمة في الإسكان، بل الإسكان متوفر للمواطن، ومبادرات تمويل الحصول على بيت سكني كثيرة ومتنوعة، وتناسب إمكانيات كل مواطن سعودي وفق احتياجاته طبعا، وان كان الحكم على نتائج المبادرات، يكون أكثر دقة مع انتهاء برنامج التمويل الإسكاني بشكل عام، بمعنى أن يصبح السكن ملكًا كاملًا بدون رهن لأي جهة كانت، لكن يمكن القول إن ما تشهده المملكة من نمو اقتصادي سيعزز من قدرة المواطن السعودي على الاستمرار بالوفاء بالتزاماته.

ملف الإسكان والعقار بشكل عام أمر قد يبدو للعيان للوهلة الأولى كأنه ملف واحد، لكن حقيقة هما ملفان، نقصد بالإسكان أن نصل الى مرحلة قدرة كل مواطن سعودي أن يسكن في بيت ملك وليس إيجارا، وهذه كما أسلفت في البداية، هي أولى اهتمامات الحكومة السعودية، ولكن الملف العقاري، قد يذهب الى اتجاهات أخرى مختلفة عن أهداف ملف الإسكان، لأنه ملف استثماري بحت، ويحتاج الى المزيد من التشريعات المنظمة له، والتي تعزز فوائد الاستثمار في هذا المجال، وبنفس الوقت يكون متوازنا بحيث تزايده لا يؤثر على مجالات وملفات أخرى.

لن أتناول في مقالتي هذه موضوع ارتفاع سعر العقار مؤخرًا وخصوصًا في الرياض، لأنه موضوع يحتاج الى تفصيل أكثر، لكن يلزمني الإشارة إلى أن ارتفاع سعر العقار ملكًا أو إيجارًا في الرياض، أو أي مدينة أخرى، سيؤدي الى انتقال التكتل السكاني إلى مناطق أقل سعرًا، حتى لو كان الأمر منوطًا بسياسة العرض والطلب، ولكنها سياسة تخدم مصلحة المستثمر العقاري، لكن لا تخدم أهداف وغايات برنامج جودة الحياة بشكل عام، وبالتالي وجب وجود تنظيم وتشريع يضبط سياسة رفع الأسعار والسيطرة عليها للحد من آثارها السلبية مستقبلاً.

عمومًا، الملف الإسكاني في المملكة يسير بالاتجاه الصحيح، والحكومة بما تقدمه من دعم ستحقق أهداف الرؤية 2030، الخيارات متعددة ومتنوعة، وقدرة المواطن السعودي على امتلاكه سكنه، بل والانتقال مستقبلًا إلى سكن وبيت أفضل، أصبحت قدرة متوفرة وستكون أكثر توفرًا مستقبلًا مع اقتراب العام 2030، لكن ما أود التحذير والتنبيه له، هو لا بد من التوضيح أكثر بخصوص عدم اختلاط ملف الإسكان بملف التطوير العقاري، لأنهما حقيقة ملفان منفصلان، حتى لو تداخلا وتشابكا، يبقى أن هناك ضرورة لعزل أهداف الربحية عن أهداف المواطن بسكن كريم.