يضرب التواصل الودي بين الصين والدول العربية بجذوره في أعماق التاريخ، حيث تلاقت وتعرفت إلى بعضمها البعض عبر آلاف السنين. ظلت الصين والمملكة العربية السعودية تتبادلان الإعجاب ببعضهما البعض منذ القدم. وإن كتاب «داو يي تشي ليويه (سجلات الجزر)» قبل 700 سنة في أسرة يوان الملكية، والمذكرات الملاحية قبل 600 سنة في أسرة مينغ الملكية، والخزفيات لأسرتي سونغ ويوان الملكيتين التي تم استكشافها في ميناء السرين الأثري تروي تاريخ الصداقة بين الجانبين، ويعتبر التواصل نموذجا مثاليا للتبادلات الحضارية. إن جميع الإنجازات الحضارية ثروة مشتركة للمجتمع البشري. طرح فخامة الرئيس شي جينبينغ مبادرة الحضارة العالمية وأشار إلى أن جوهر المبادرة يشمل الدعوة المشتركة إلى احترام تنوع حضارات العالم وتعزيز القيم المشتركة للبشرية جمعاء وإيلاء أهمية لميراث الحضارات وإبداعاتها وتعزيز التبادل والتعاون بين شعوب الدول. إن التبادلات بين الحضارات المختلفة تسهم في تعميق الفهم والثقة المتبادلة وتعزيز التضامن والتعاون، مما يوفر دافعًا قويًا لتقدم البشرية وتنميتها.
على مدى 35 عامًا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والمملكة، شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا قفزيا بفضل الجهود المشتركة، حيث حقق التعاون في مختلف المجالات تقدمًا ملحوظًا. في ديسمبر 2022، قام فخامة الرئيس شي جينبينغ بزيارة دولة إلى المملكة، حيث التقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، ووقع قادة البلدين اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والمملكة، مما فتح عصرًا جديدًا للعلاقات بين البلدين. الجدير بالذكر أن أكثر من 100 متعلم وعاشق للغة الصينية من المملكة يكتبون رسائل إلى الرئيس شي جينبينغ، ويعبرون فيها عن حبهم للغة الصينية. ورد الرئيس شي جينبينغ على رسائلهم، مشجعا الشباب السعوديين على تعزيز التفاهم المتبادل وتطوير الصداقة الطويلة الأمد مع الشباب الصيني. منذ أن أعلن ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد في عام 2019 عن إدراج اللغة الصينية رسميًا في نظام التعليم الوطني في المملكة، فتحت أكثر من مئة مدرسة وجامعة سعودية مقررات اللغة الصينية، وأصبحت اللغة الصينية تزداد شعبية في المملكة. كما أصبح التعاون الإنساني والثقافي نقاط بارزة جديدة في تطور العلاقات بين البلدين.
في سبتمبر من عام 2024، قام رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ بزيارة إلى المملكة، حيث ترأس مع ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد اجتماع الدورة الرابعة للجنة الصينية السعودية المشتركة رفيعة المستوى، واتفق الجانبان على تنظيم فعالية «العام الثقافي الصيني السعودي 2025م» ودفع التعاون والتبادل في مجالات الثقافة ومراكز الفكر والتعليم والإعلام والتبادل الشعبي ضمن هذا الإطار، مما يعزز التفاهم والصداقة بين شعبي البلدين. وفي الآونة الأخيرة، قام وزراء الثقافة والسياحة والإعلام السعوديون بزيارات إلى الصين، حيث أجروا مناقشات عميقة مع الجهات الصينية المعنية، كما وقع الطرفان سلسلة من الاتفاقيات في مجالات الثقافة، علم الآثار، التراث، السينما والإعلام، مما يضخ زخمًا جديدًا في التبادل الإنساني والثقافي بين البلدين.
شهدت العلاقات بين الصين والمملكة تبادلات مكثفة ونتائج مثمرة في العام الماضي. ففي الصين، تم تنظيم سلسلة من الفعاليات الناجحة مثل معرض «العلا: واحة العجائب في الجزيرة العربية”، ومعرض السفر السعودي، وليالي الفيلم السعودي، مما عرض للجمهور الصيني التراث الثقافي الغني والتقاليد الشعبية لشبه الجزيرة العربية. كما شاركت المملكة بصفتها ضيف شرف، الدورة الـ30 لمعرض بكين الدولي للكتاب 2024، مقدمة للجمهور الصيني قصصًا عن التراث الثقافي والتاريخي للسعودية، والملابس الفاخرة، القهوة والتمر، إضافة إلى آلات موسيقية تقليدية مثل العود. في السعودية، شارك رياضيون صينيون مشهورون مثل ما لونغ، وتشنغ تشين ون، وتشانغ تشيلي، ودينغ جون هوي في مسابقات مختلفة، وفازت الفرق الصينية بثلاثة ألقاب البطولة في بطولة العالم للرياضات الإلكترونية في نسختها الأولى. كما شاركت دور النشر الصينية بأكثر من 1000 كتاب ومنتج ثقافي في معرض الرياض الدولي للكتاب، وشاركت لأول مرة في الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية، حيث قدمت عروضاً ثقافية غنية أبهرت الزوار. يسعدنا أن نرى أن تزايد عدد الأصدقاء السعوديين الذين يزورون الصين لاستكشاف جمال طبيعتها، وتجربة الثقافة التقليدية، وتذوق المأكولات الصينية، والاستمتاع بالعادات والتقاليد الفريدة والجمال الطبيعي للأراضي الصينية. ومع إدراج المملكة وجهة سياحية لمجموعات السياح من الصين، أطلقت العديد من شركات الطيران رحلات مباشرة بين البلدين، إن شعبية السياحة في السعودية بين المواطنين الصينيين تتزايد بشكل ملحوظ.
يصادف هذا العام الذكرى الـ 35لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية، حيث ستشهد فعاليات رائعة على مدار العام في إطار «العام الثقافي الصيني السعودي». دعونا نعمل معًا على تعزيز التواصل والتعلم المتبادل بين الحضارتين العتيقتين الصينية والسعودية، ونتعاون في الحفاظ على قصة ذائعة الصيت في التاريخ على طريق الحرير الذي يمتد لآلاف السنين، ونبني مخطط أوسع للتبادل الإنساني والثقافي بين البلدين، مما يدفع «الاتصال بين القلوب» للشعبين إلى مرحلة جديدة من التقدم.