يواجه عالمنا المعاصر تحديات بيئية واقتصادية متزايدة، تبرز من خلالها أهمية الاقتصاد الدائري (Circular Economy) كإطار عمل يدعم الاستدامة وتقليل الهدر، ويتعاظم مع تزايده دور التسويق كأداة حيوية لتحقيق أهداف الاستدامة.

يُعد الاقتصاد الدائري نموذجًا يهدف إلى الاعتماد على الموارد المتجددة، حيث تتركز العمليات الإنتاجية فيه على إبقاء المواد والمنتجات في الدورة الاقتصادية لأطول فترة ممكنة، من خلال التصميم الذكي وإعادة الاستخدام والتدوير وإعادة التصنيع، مما يقلل الحاجة إلى استخراج موارد جديدة، وبالتالي يحد من التأثيرات البيئية السلبية، مثل التغير المناخي وزيادة النفايات والتلوث والأهم من ذلك فقدان التنوع البيولوجي (التنوع الأحيائي)، الذي يُعتبر -بعد الله- الأساس الذي يدعم جميع أشكال الحياة في باطن الأرض وفوقها وتحت سطح الماء، من خلال جمعه لكافة الكائنات الحية، الذي يُظهر إبداع الخالق سبحانه في تحقيق توازن النظام البيئي بينها، مما يؤدي إلى استمرار الحياة المتنوعة والغنية التي نراها.

إضافة إلى ذلك، يتم التركيز على منظور الاستدامة (Sustainability) بمختلف ممارساتها، التي تُعرف اختصارًا بـ (ESG)، وتشمل الجوانب البيئية (Environmental)، والاجتماعية (Social)، وحوكمة الشركات (Corporate Governance)، هذه المجالات تُعد العوامل الرئيسية لقياس الاستدامة والتأثير الأخلاقي للاستثمار في المنظمات التي تغطي البعد البيئي والاقتصادي الاجتماعي، حيث أصبحت المنظمات اليوم ملتزمة أخلاقيًا أمام المجتمع بتضمين خططها الاستراتيجية وتقاريرها مبادرات وبرامج إصلاحية في مجال الاستدامة.

يشكل الاقتصاد الدائري أساسًا قويًا لمجال التسويق من خلال تطبيق مبدأ التسويق الأخضر (Green Marketing) أو كما يُعرف أيضًا بالتسويق البيئي، القائم على فكرة تسويق منتجات وخدمات آمنة ليس لها آثار سلبية على البيئة، ويركز على تعزيز الوعي بأهمية الاقتصاد الدائري من خلال تنفيذ حملات توعوية تسلط الضوء على قضايا مثل تقليل الهدر وإعادة التدوير مما يساهم في تغيير مواقف الأفراد تجاه الموارد.

كما يركز التسويق الأخضر على تطوير المنتجات والخدمات التي تحترم البيئة وإبراز قيمتها كمنتجات مصممة لتكون مستدامة وقابلة لإعادة الاستخدام أو المصنوعة من مواد معاد تدويرها، والتركيز على فوائدها البيئية والاقتصادية بهدف خلق أثر إيجابي لها كونها لا تلحق أي ضرر بالبيئة من حيث الطاقة والمواد المستعملة والعمليات أو المواد السامة، كذلك النهج الذي يسلكه التسويق الأخضر في عمله من خلال استخدام ادوات ومواد تسويقية تكون صديقة للبيئة، أيضا دوره البارز في تغيير أنماط الاستهلاك وتحفيز المجتمع على تبني ممارسات مستدامة، كذلك دوره في خلق الاثر الايجابي لأي علامة تجارية تنهج نموذج الاقتصاد الدائري كونها أقل ضرراً على الطبيعة وعلى تحسين سمعتها كمنظمات مسؤولة بيئيًا، مما يجذب شريحة واسعة من العملاء المهتمين بالاستدامة، والذي لا يحقق أرباحًا فحسب بل يبني قاعدة ولاء طويل الأمد مع العملاء، كما يُنظر إلية على أنه ترجمة لمتطلبات المسؤولية الاجتماعية للمنظمات وأخلاقياتها التسويقية، التي تجعل المنظمة مسئولة أمام نفسها من موظفين وإدارة عليا، وكذلك من مساهمين للنهوض بمجتمعها.

رغم الفوائد الواضحة والانسجام الكبير بين التسويق الأخضر والاقتصاد الدائري كونهما يجسدان تحولاً جذريًا نحو نهج مستدام في الأعمال والاقتصاد، إلا أن هناك تحديات تواجههما أبرزها، قلة الوعي المجتمعي الكافي بأهمية الاستدامة كذلك الارتفاع الملحوظ في تكلفة المواد المستدامة، مع ذلك، يمكن التسويق الأخضر أن يحول هذه التحديات إلى فرص للنمو والريادة، من خلال توجيه السلوكيات الاستهلاكية وتحقيق التوازن بين الربحية والاستدامة عبر اتباع استراتيجيات فعالة وواعية تتبنى ممارسات مستدامة.