لا شك أننا نحيا اليوم نموّاً هائلاً، تمثّل في جوانب الحياة كافة يشمل بناء المنشآت والمدن والمعالم كما يشمل بناء الإنسان المعاصر فكريًا وثقافيًا وتاريخيًا، فضلًا عن البرامج الترفيهية النوعية التي تنطلق من جودة الحياة وإليها، ولأن وزارة الثقافة في برامجها الاستراتيجية المتعددة استهدفت دائمًا جعل الثقافة نمطًا اجتماعيًا والفعاليات الثقافية المتنوعة فعلًا مجتمعيًا من خلال عدة برامج أكثرها تجليًا برنامج الشريك الأدبي الذي أخرج الفعاليات الثقافية من غلافها النخبوي لتكون تظاهرة اجتماعية عامة يشارك فيها المجتمع تلقائيًا، دون إحساس بالنقص إزاءها من جهة، أو التمرّد على تعاليها عليه من جهة أخرى، وهو برنامج اجتماعي ثقافي لا يصطدم أو يتعارض مع المؤسسات التقليدية القديمة كالأندية الأدبية التي احتملت وتحمّلت منغصات الماضي لتقيم فعالياتها وأنشطتها داخل جدرانها، ولا شك أنها جاهدت وثابرت لتستمر فعالياتنا الثقافية، وخاضت كثيرًا حروبًا اجتماعية شعواء، وتطفّلت عليها تيارات فكرية تنكر الفعل الثقافي وترى فيه عدوًا للمجتمع، حيث عرقلت مسيرتها الاجتماعية حتى خسرت آخر الأمر مشاركة المجتمع لها هذه الفعاليات جرّاء انكفائها على نفسها وانحسار فعالياتها وأنشطتها على مسارحها الخاوية إلا من أهلها، وهي مرحلة تجاوزناها -ولله الحمد- بكل ما فيها من منغصات وإحباطات، وانطلقنا نحو فعل اجتماعي ثقافي متنوع وشامل جعل من بلادنا قبلة العالم سياحةً كما هي قبلة المسلمين تديّناً دائماً..

ولأن من طبع الشعراء جمع الأحلام في سلّة التحقق، والخيالات في مسار العمل عليها.. حلمت دائماً بليالي شعر سعودية على غرار هذه الليالي الفنية التي تقوم بها وزارة الترفيه في بلادنا ولا بأس من التعاون والتنسيق معها بحيث تقام أمسيات شعرية مفتوحة تشمل النتاج الشعري بنوعيه الفصيح والمحكي، وتنطلق من خلال استعادة رموزنا الشعرية كعناوين لهذه الأمسيات، مثل: ليلة عبدالله الفيصل.. ليلة غازي القصيبي.. ليلة محمد الثبيتي وليلة بدر بن عبدالمحسن.. وهكذا ولا شك أنني أدرك كغيري أن الشعر اليوم مآله القراءات الفردية لا الحضور المنبري إلا أن في مثل هذا الفعاليات تفعيل اجتماعي مهم لحضوره العصري فينا وهو المتجذّر في ذاكرتنا مطلقًا، نحن أمة بحضارة شعرية انطلق منا الشعر بكل تجلياته القديمة.. فجل شعراء معلقاتنا التاريخية إن لم يكن كلهم هم من جزيرة العرب (المملكة العربية السعودية اليوم)، وبالتالي فإن خطوات تفعيل حضوره اجتماعياً تجلّت إيجابياتها من خلال برامج الشريك الأدبي التي أتاحت للشعراء الواعدين والمتمرسين معاً الحضور والتفاعل مع الجمهور الاجتماعي التوّاق للشعر بطبعه، بحاجة إلى دعم نوعي بإقامة مثل هذه الفعاليات بنشاط أشمل وأوسع وتحت أشعة الأضواء الإعلامية التي واكبت دائماً مثل هذه الليالي النوعية.. ليكون الشعر واجهة اجتماعية كما ظل دائماً واجهة لذاكرتنا الحضارية والثقافية.

فاصلة:

أنا والضحى ظلان كلٌّ وشأنه

أنا صبحُه العصفورُ.. والشارع الصدى

غريبانِ في الذكرى.. قريبانِ في الهوى

بعيدانِ في المنفى.. رفيقانِ في المدى