لا يمكن وفق المنظور السياسي حصر وضع الزيارة في الإطار الدبلوماسي فقط، بل من المهم وضعها في سياق بداية شراكة استراتيجية تحمل في طياتها الكثير من الأمل لمستقبل سورية الموحدة والمستقرة..
في مشهد يحمل دلالات استراتيجية عميقة، اختارت السلطات السورية الجديدة أن تكون الرياض أول وجهة خارجية لوفدها الرسمي المهم الذي يضم وزير خارجية الإدارة السورية الجديدة ووزير الدفاع، ورئيس المخابرات العامة، وهو قرار يعكس رؤية واضحة للدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه السعودية إقليميًا ودوليًا لصالح الدولة السورية بعد نظام المخلوع بشار الأسد.
تفسيري الأولي للقرار، جاء متزامنًا مع تصريحات لافتة لقائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، خلال مقابلة له مع إحدى القنوات العربية "قناة العربية" مثنيًا خلالها بشكل كبير على الرياض، مؤكد أهمية بناء علاقات متينة معها، وهي معطيات تفتح الباب واسعًا لتحليل أبعاد زيارة الأربعاء الماضي، التي تأتي في ظل التعقيدات التي تحيط بالمشهد السوري والإقليمي.
لم يكن اختيار الرياض أول محطة خارجية للسلطات السورية الجديدة قرارًا عابرًا، كون السعودية ليست فقط مركزًا سياسيًا واقتصاديًا في المنطقة، بل تمثل ركيزة للاستقرار والتوازن في الشرق الأوسط، فضلًا عن وعي النخبة الحاكمة لأهمية دورها في المرحلة المقبلة.
القرار السوري في الزيارة، يعكس اعترافًا ضمنيًا بالدور المحوري الذي لعبته السعودية على مدار سنوات الأزمة، حيث لم تكن الرياض مجرد وسيط سياسي، بل حملت في سياساتها رؤية شمولية تهدف إلى استعادة سورية كدولة موحدة تمثل كافة مكوناتها العرقية والدينية، بعيدًا عن الاستقطابات الإقليمية والدولية التي كانت تسعى لإضعاف البلاد وتقسيمها.
منذ بداية الأزمة السورية في مارس 2011، أظهرت السعودية موقفًا واضحًا، لا لبس فيه، بالوقوف إلى جانب خيارات الشعب السوري وتطلعاته المشروعة نحو الحرية والاستقرار، ما يُظهر إدراكًا عميقًا لحجم التحديات التي تواجه الدولة السورية الجديدة، التي ترى في المملكة شريكًا قويًا لدعم استقرار البلاد وإعادة إندماجها في محيطها العربي، وضرورة تواجدها إلى جانبها في هذه المرحلة المفصلية.
لم يكن الدعم السعودي بالنسبة لسورية سياسيًا فقط، بل امتد إلى البعد الإنساني عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي قدم مساعدات حيوية للشعب السوري في أصعب الظروف، وهي رسالة واضحة مفادها أن الرياض تقف دائمًا مع الإنسان السوري، بغض النظر عن تعقيدات المشهد السياسي.
وإذا ما استطردنا في أبعاد الزيارة إلى الرياض في هذا التوقيت، فهي بلا شك تبعث برسائل متعددة على المستوى الإقليمي خاصة، والدولي عمومًا، خاصة في ظل محاولات بعض القوى الإقليمية والدولية إعادة تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط ومحاولة ملء الفراغ السياسي الذي خلفته سنوات الصراع، لمصالح لا تخدم الأمن القومي الوطني السوري.
ومن جهة أخرى، تؤكد زيارة الوفد السوري للسعودية، أن الرياض ما تزال مركز الثقل السياسي والاقتصادي في المنطقة، والقادرة على دعم استقرار سورية، وإعادة إدماجها في محيطها العربي.
النقطة الأهم في اختيار الزيارة الأولى للرياض، تعكس رغبة السلطات الجديدة تقوية علاقاتها مع دولة تتمتع بمكانة إقليمية ودولية كبيرة، كون المملكة البوابة الحقيقية لأي حلول مستدامة للأزمة السورية، وشريكًا استراتيجيًا فاعلًا في إعادة بناء سورية الموحدة والمستقرة، وتأهيل استعادة النظام الجديد لعلاقاته الدولية، ما يعني أن السعودية بمكانتها المعروفة مؤهلة أكثر من غيرها للعب دور رئيس في هذه الملفات، بعيدًا عن محاولات استغلال الأزمة لتحقيق مكاسب ضيقة.
في السياقات السابقة، ذكرت أن السعودية كانت من أوائل الدول التي أعربت عن استعدادها لدعم جهود إعادة الإعمار في سورية، بشرط ضمان وحدة البلاد واستقرارها، لكن الأهم، هو أن الدعم لن يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يشمل توفير مظلة دبلوماسية تسهل جذب الاستثمارات الدولية إلى سورية، وضمان إعادة بناء المؤسسات بشكل يحقق الاستقرار والتنمية، خاصة أن القيادة السياسية في المملكة أثبتت عبر سياساتها الحكيمة أنها قادرة على جمع الأطراف المختلفة حول رؤية مشتركة تعيد لسورية مكانتها الطبيعية.
ختامًا، لا يمكن وفق المنظور السياسي حصر وضع الزيارة في الإطار الدبلوماسي فقط، بل من المهم وضعها في سياق بدابة شراكة استراتيجية تحمل في طياتها الكثير من الأمل لمستقبل سورية الموحدة والمستقرة.. دمتم بخير.