اعتساف الحقائق ومحاولة التضليل التي يمارسها الكيان الإسرائيلي، من خلال السعي لفرض رواية باطلة لا يسندها حقّ، ولا تدعمها حقيقة موضوعية، هو إمعان في تشويه التاريخ، بل وطمسه، ورغبة ماكرة لئيمة في تمرير مغالطات تاريخية، وادّعاءات مشبوهة. هذا السلوك الإسرائيلي ليس بجديد، ولا يمكن اعتباره حدثاً طارئاً؛ وإنما هو استمرار لعنجهية غير مقبولة، وذريعة غير أخلاقية ولا إنسانية في وضْع يديها على ما لا تملك، وما لا يسوّغه لها أي مستند قانوني أو تاريخي، ولا يقبله أي عقل ومنطق صحيح وسويّ.

من هنا فإن هذا الإمعان في تكريس خزعبلات أو افتئات على الحقائق التاريخية والجغرافية ما هو إلاّ تحدٍّ سافرٍ لا يقيم للعقل ولا للسلم، ولا القوانين الدولية أي ميزان.

بالأمس أعربت وزارة الخارجية عن إدانة المملكة ورفضها لمزاعم الاحتلال الإسرائيلي وادعاءاته الباطلة حيال الخريطة المنشورة من قبل حسابات رسمية تابعة له، والتي تُظهر أجزاءً من دول عربية (الأردن، ولبنان، وسوريا) ضمن حدودها المزعومة. وهو موقف ونهج واضح دأبت عليه بلادنا، منذ التأسيس، وهو انحياز للحق والعدل لم يثنها عن سلوكه وانتهاجه أي عارض مهما كان، فلم تتزحزح بلادنا عن موقفها العادل، ولم ترهن موقفها هذا بأي نتيجة مهما كانت، متجاوزة بذلك مصالحها والتحديات التي تجابهها تحت أي ظرف، وهو موقف أخلاقي وإنساني تمسّكت به على امتداد مسيرتها، وستظل على ذات الثبات والرؤية التي تنطلق من موقف عربي وإسلامي يستشعر معاناة الأشقاء والأصدقاء، ويعكس التزامها السويّ الذي لا يداهن ولا تأخذه في الحق لومة لائم.

ولذا كان موقف المملكة جليّاً وواضحاً بل وحاسماً، إذ أكدت أن مثل هذه الادعاءات المتطرفة تدلل على نوايا سلطات الاحتلال في تكريس احتلالها والاستمرار في الاعتداءات السافرة على سيادة الدول، وانتهاك القوانين والأعراف الدولية.

كما تضمن البيان رؤية المملكة الواضحة، وهي تجديدها في هذا السياق، مطالبتها للمجتمع الدولي للاضطلاع بدوره في وقف الانتهاكات الإسرائيلية ضد دول المنطقة وشعوبها، والتأكيد على ضرورة احترام سيادة الدول وحدودها، للحد من تفاقم أزمات المنطقة، وتقويض الجهود الرامية إلى تحقيق سلام عادل وشامل.

إن موقف المملكة الذي أجلاه البيان يبرز عمقها بالوعي بمخاطر مثل هذه التضليلات والادعاءات التي لا تقتصر على التشويش الإعلامي فحسب؛ وإنما تمتد لتكرّس سياسات الاحتلال كما أنها تغذّي بصلافة العنف والنزاعات في المنطقة؛ وهو ما سيعيق أي تطوّر في مساق السلام الذي يرومه العالم؛ ولكن بنوايا بيضاء لا يكدّرها الجوّ التآمري والسلوك العدواني الذي يتعارض مع كل القوانين والأعراف الدولية.