وصلتني رسالة عبر أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي تتضمن أن سبيكة من حديد ثمنها لا يتجاوز 5 دولارات. ولكن إذا صنعت منها حدوة للحصان فسيغدو سعرها 12 دولارًا. أما إذا صنعت منها إبراً طبية فسيكون سعرها 3500 دولار. وفي حالة صنعت منها نوابض للساعات الفاخرة فسيصبح سعرها حوالي 300 ألف دولار. وختمت الرسالة بأن الإنسان هو الذي يحدد قيمته من خلال ما يصنع من نفسه ومن خلال ما يترك من أثر. 

ورغم أن ما ورد في الرسالة من ناحية المبدأ صحيح لكن ينبغي أن لا ننسى كم الاستثمار والجهد والمخاطر المترتبة على تحويل سبيكة الحديد إلى المنتجات الأخرى المذكورة. فحتى حدوة الحصان تحتاج تجهيزات لتسخين الحديد لدرجة حرارة مرتفعة للغاية بهدف التعقيم وسهولة التحكم بها ومن ثم قولبتها على شكل حافر الحصان بحرف U. ناهيك عن صناعة الإبر والساعات الفاخرة وما يتطلبه ذلك من ماكينات ومعدات وأشخاص أصحاب خبرات ومعرفة متراكمة لسنوات وربما عقود طويلة. بكلمة أخرى إذا كان الإنسان سبيكة حديد فبيده تحديد قيمته بناء على التضحيات التي سيقدمها أو تقدمها الجهة التي يعمل بها من وقته وجهده وماله للاستثمار في صقل خبراته وتطوير مهاراته ليتغير من سبيكة حديد إلى نوابض لساعة فاخرة وربما مكون في طائرة أو صاروخ يقدر بملايين الدولارات في قيمته. 

وهذا ما يقودنا إلى النقطة التالية المرتبطة بنظرة الإدارة العليا والموارد البشرية إلى مسألة الاستثمار في تطوير الكفاءات. ففي حين ينظر مجموعة من القياديين إليها كتكلفة إضافية لا فائدة منها وتكون منخفضة في سلم الأولويات أو غير موجودة فيه أصلاً، تتعامل القيادة الواعية مع قضية التعليم والتدريب وتطوير الكفاءات كإحدى أهم الاستراتيجيات في الحفاظ على الكفاءات ومنع تسربها بل وتسعى لرفع كفاءة العمل وزيادة القوة التنافسية عبر هذه البرامج. 

ولأكون منصفاً، فعدد غير قليل من المنظمات يخشى من مغادرة الكفاءات بعد الاستثمار فيها وتدريبها. وهو قلق في محله ولكن يمكن التعامل معه بعدة وسائل ومنها اشتراط البقاء لمدة زمنية معينة بعد برامج التدريب والابتعاث بالإضافة إلى تحسين مزايا ووضع الموظف بعد البرنامج بما يضمن الاستفادة القصوى من إمكاناته والمحافظة عليه في الوقت نفسه. 

ومن أكبر الأخطاء التي يمكن أن تقع هي التقيد المبالغ فيه بأنظمة الترقيات المرتبطة بسلالم محددة ومدد زمنية سنوية مقيدة. ففي وجهة نظري المتواضعة أنه من الظلم حرمان الموظف المميز من زيادة أو تعيين في مرتبة أعلى بحجة أنه لم تمض سنتان أو ثلاث على التعيين السابق. 

ففي المثال السابق لا يمكن أن تقارن بين موظف ظل سبيكة حديد لمدة عشر سنوات وربما بدأ يصدأ وموظف اجتهد وعمل وأنجز حتى صار مكوناً مهماً في ساعة فاخرة أو صاروخ فضائي ويتم التعامل معه كسبيكة حديد وحرمانه من مزاياه التي يستحقها بسبب هذا الأسلوب الإداري الذي لا يتناسب مع مستجدات ومتغيرات هذا العصر. 

النتيجة الطبيعية ستكون رحيل هذه الكفاءة وتقديمها للاستقالة مع أول عرض وظيفي من جهة أخرى تقدر قيمتها الحقيقية في السوق. 

وباختصار، من المتوقع أن ينتهي زمن الترقيات القائم فقط على الفترة الزمنية التي قضاها الموظف في مرتبته الحالية، وبالمقابل فسيكون الإنجاز والأثر هما الأساس مما يتطلب استثماراً ذكياً في تطوير قدرات فريق العمل وقيادة واعية في إدارة الموارد البشرية مواكبة لمتغيرات العصر. وكما يقول ليوناردو دافنشي: "يصدأ الحديد إذا لم يستخدم، ويركد الماء إذا لم يتحرك، وهذا هو ما يحدث للعقل إذا لم يفكر".‏