أقرأ ألف بيت ثم أحفظها ثم أنسها! قانون عتيق لكي تصبح شاعراً أو أن تصبحي شاعرة. قانون بال مزقته قصائد مترهلة مبنية من خشاش الكلمات، وحشائش اليباس لا تحرك عاطفة ولا تستدعي شعوراً، وما هكذا يورد الشعر!
ولكننا لا نستطيع أن ننكر أن هناك من حفظ ألف بيت وممن لم يحفظ حتى عشرة أبيات وكتب شعراً، وامتطى صهوة الأدب واعتلى منابر وتصدر مجالس، ولكن الشعر شجرة لا تصبر على فقد ماء الإحساس واستشعار طريق الوجدان ومنابت الروح فتجف الجذور ويتيبس الجذع وتهوي الشجرة دون دوي يذكر.
ماتت أشجار وأشجار وظلت شجرة هنا وشجرة هناك. أعداد قليلة صمدت لأن جذورها تتحسس مكامن الوجدان ومنابت الشعور، وهكذا هو الشاعر المتشكل شعوراً وشعراً ووجداناً لا انفصال لهذا عن هذا، وهكذا هي الشاعرة فوزية أبو خالد التي تتنفس شعراً وتصمت شعرًا وتكتب شعرًا. ليس الشعر بالقالب الذي يكتب فيه كما تصوره النظرية الشكلانية، بل بالقلب الذي ينبض به والروح التي يحييها الشعور المرهف الرقراق.
فوزية أبو خالد، مع حفظ الألقاب وإكبار المقام، تنبض شعراً لا زيف فيه ولا تلوناً ولا تصنعاً، ويكفي أن تقرأ لها أو أن تسمع منها لتتيقن دون عناء من قراءة نقدية أو دراسة منهجية أنك أمام حالة لا أبالغ إن قلت إنها فريدة من نوعها. من يقرأ لفوزية أبو خالد سيجد أن الحياة بكل ألوانها والحزن بجمع أشكاله والأمل في أبهى حلله، والأرض والإنسان والسماء والماء وما بينها وما فيها قد نبضت بها قصيدة هنا أو قصيدة هناك لفوزية أبو خالد.
مع فوزية أبو خالد تجد أن هناك قصة كيَّ بها قلب أنوثتها، وما يلبث المتتبع لقصة حياتها المتاحة أن يتحسس قلبه ذلك الوجع الدفين في مشهد تعددت أشكاله الدرامية في الخيال وإن كانت جاءت في صورتها الأشنع عندما كويت يد أمها بالنار حتى لا تتجرأ على مواصلة وإكمال ما بدأته من تعلم للقراءة!
كيّ يد أم نضجت بها وجبات ابنتها من أدب كلمة وأدب شعور وأدب حديث، وأدب انتماء للأنثى في كامل رقتها وجمالها وإبداعها وحشمتها. كيٌّ وسم مشوار شاعرة ليكون هذا الوسم إثبات حق، ورسم يعلو صهوة العذوبة في كتابات الابنة المبدعة مذ كانت طفلة تمشي بجوار أمها ورفقة أخيها لتوصل أول كتاباتها في عمر الرابعة عشرة.
من الألف إلى الألف وما زال لهذه الألف امتداد طويل ومسارات وتفرعات في حياة فوزية أبو خالد ظفرت بشيء منها في بعض ما قرأت، وكان آخر ما وقع في يدي كتاب ورقي مطبوع للدكتورة فوزية أبو خالد يفوح عطره بين رفوف مكتبتي بعنوان «تحديات وطنية: مقاربة لمطالب النساء؛ في المجتمع العربي السعودي» من إصدارات عام 2017 للانتشار العربي، وبحث على صفحات الشبكة عن فوزية أبو خالد كتبته الدكتورة هيلة العساف «تجليات الذات الأنثوية في أعمال «فوزية أبو خالد» الشعرية بين النقد النسوي والهم الخاص.
نتاج فوزية أبو خالد، وفوزية أبو خالد بنفسها ونفيسها وبما أحاط بظروف تشكلها الأدبي مادة خصبة لقراءة أدبية اجتماعية من خلال أساليب علم اجتماع الأدب وأدواته، فالمبدع الحقيقي لا ينفصل عن سياقاته الاجتماعية والتكوينية الثقافية، والنفسية. وما زلنا في الثمن الأول من الألف عند الحديث عن الأم والأخت الكبرى والأديبة الأديبة فوزية أبو خالد، وما زال الطريق طويلاً وطويلاً وطويلاً لنقول فوزية أبو خالد من الألف إلى الياء.