المتابع لمواقف الشخصيات المتنفذة الجديدة في الولايات المتحدة، يلاحظ تدخلها في العديد من القضايا السياسية في القارة الأوروبية، ودعمها للأحزاب اليمينية الشعبوية.
وهذا التوجه، يثير التذمر في أوروبا، إلى درجة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حذر خلال الكلمة التي ألقاها أمام سفراء بلده، من خطورة انتقادات إيلون ماسك المستمرة للحكومات الأوروبية والتدخل في الانتخابات التي تجري فيها.
فما الذي يرمي إليه هذا الخطاب الجديد، الذي صارت نبرته ترتفع، والتي من المتوقع أن تعلو أكثر خلال الفترة المقبلة؟
لقد أشرت في مقال سابق إلى أن هناك تغيرات تجري داخل الدولة العميقة في الولايات المتحدة بعد أزمة عام 2008، باتجاه التخلي عن الليبرالية، والميل نحو القومية والواقعية، وذلك ضمن ما صرنا نعرفه -فيما بعد- بعد رفع ترمب شعار «أميركا أولاً». وفي هذا المجال يمكن الرجوع إلى كتاب أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر بعنوان «الوهم العظيم: الأحلام الليبرالية والواقع الدولي».
إن الولايات المتحدة بعد تنصيب ترمب في 20 من هذا الشهر، سوف تكون مدعومة من قبل دولة عميقة مختلفة، تطمح إلى إعادة بناء أميركا والتخلي، وإن مؤقتا عن لعب دور الشرطي العالمي أو على الأقل التقليل من هذا الدور إلى حين تحقيق النتائج المرجوة.
وباعتبار أن الولايات المتحدة هي مركز النظام العالمي، فإنها تطمح لأن تجعل الأطراف متجانسة معها ومشابهة لها. ولهذا يضع المتنفذون الجدد في أميركا كل ثقلهم لتغيير الدولة العميقة الأوروبية القديمة لتتناسب مع ما هي عليه في بلدهم. وأول الضحايا، مثلما رأينا، كان رئيس وزراء كندا الليبرالي جاستن ترودو- الذي قدم استقالته، أما في المملكة المتحدة، فإن اليميني تومي روبنسون هو المرجح للحصول على الدعم- وليس زعيم حزب الإصلاح نايجل فاراج. والأمر ينطبق على فرنسا، التي سوف ترتفع فيها أسهم مارين لوبان، وكذلك أسبانيا التي اتهمت المتنفذين في الولايات المتحدة بدعم «اليمين المتطرف الذي عارضته إسبانيا لسنوات».
إن هذه التغيرات إذا تمت في أميركا وأوروبا، فإنها تحتاج إلى مراجعة من قبل كافة المتعاملين مع هذه البلدان. فالعلاقات الاقتصادية التي تربط دول العالم مع أميركا وأوروبا الآن، قد نسجت خيوطها منذ زمان مع ممثلي الدولة العميقة القديمة هناك من شركات وقطاع أعمال ومثقفين وغيرهم من أصحاب المصالح. وعلى هذا الأساس، فإن توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا خلال الفترة القادمة، ربما يحتاج إلى بناء علاقات، مع أصحاب المصالح والأطراف الفاعلة الجديدة وعلى رأسهم أصحاب الأعمال، الذين يعتبرون العمود الفقري لأي دولة عميقة في الدول الصناعية.